إذا استعطنا استثناء بعض أدوات الشرط التي استخدمها المعلقون العسكريون الإسرائيليون، في تعليقهم الإعلامي على اغتيال الشهيد محمد الزواري في تونس، يمكننا التعامل مع الحدث على أنه يأتي في سياق مسلسل عمليات الاغتيال التي تنفذها إسرائيل ضد الجهات والشخصيات التي تنتمي إلى فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين، وتحديداً في إطار «المعركة بين الحروب»، التي تارة ما تترجم عبر استهداف قدرات عسكرية، وأخرى باستهداف شخصيات لها دور فعال في تنمية هذه القدرات وتطويرها.
مع ذلك، يبقى الطابع العام الحاكم في التعامل مع هذه العمليات، في تل أبيب هو التجاهل الرسمي، بجانب التوظيف الردعي في الوقت نفسه، كما لا يخفى البعد الآخر المتصل بالتوظيف السياسي والمعنوي الداخلي، الذي عادة ما يريح القيادة الإسرائيلية، كونه يقدمها كجهة تتمتع بالحزم عندما يتعلق الأمر بأمن الكيان وبمواطنيه.
في هذا السياق، رأى المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان أن من اغتال القيادي في «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، محمد الزواري، تعمّد ترك بصماته، كي يصير إلى اتهام جهاز «الموساد» بذلك. وبرر فيشمان هذا الأمر (ترك أدوات الجريمة في المكان) بكونه يخدم تعزيز الردع الإسرائيلي، في إشارة ضمنية إلى أن إسرائيل هي التي تقف وراء الاغتيال، مضيفاً: «نشر هذه التفاصيل هو عنصر رادع في الحرب اليومية ضد الإرهاب، التي لا تدور فقط على امتداد الحدود، وإنما أيضاً على مسافة آلاف الكيلومترات من هنا».

ذكر معلق عسكري
أنّ مَن وراء الاغتيال تعمّد
ترك أدوات التنفيذ

في إطار التبني الضمني نفسه، وضع المعلق العسكري عملية الاغتيال في سياق عمليات سابقة استهدفت عدداً من مسؤولي وكوادر حزب الله و«حماس»، مشيراً إلى أن بعض العمليات كان يفترض أن تتم كأنها «موت طبيعي»، كما حدث مع خالد مشعل في الأردن، ومحمود المبحوح في دبي، لكنّ فشلاً عملانياً أدى إلى كشفها. ورأى فيشمان أن عملية اغتيال الزواري تُذكِّر أكثر بعملية الاغتيال التي استهدفت العلماء الإيرانيين، واتهم بها «الموساد» أيضاً.
كذلك لفت إلى أنه إذا كان صحيحاً أن إسرائيل هي التي نفذت الاغتيال، يمكن التنبؤ بأن القيادة السياسية، التي صادقت على تنفيذ العملية، قدرت أنها ستوقف عملية تزويد منظمات «إرهابية» بقدرات ترى إسرائيل أنها «خط أحمر». وهو ما تفعله تل أبيب، وفق فيشمان (مستنداً إلى مصادر أجنبية)، عبر استهداف شحنات أسلحة في طريقها إلى حزب الله، وأيضاً عندما كانت تعمل ضد قوافل السلاح إلى المقاومة في غزة، وخاصة في السودان. وينقل فيشمان أن القيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي ترى أن الردع الإسرائيلي إزاء «حماس» مقيد بعامل الوقت. لذلك هناك سباق تسلح بين العائق الذي تقيمه إسرائيل ضد الأنفاق، على امتداد حدود القطاع، وبين استعدادات الحركة المكثفة للحرب.
في غضون ذلك، وضع المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، عملية الاغتيال ضمن سلسلة طويلة من عمليات سابقة استهدفت ما تسميه إسرائيل «إرهاباً»، واتهمت كذلك بتنفيذها. ورأى هرئيل أن «السياسة الإسرائيلية المعلنة، باستثناء حالات متطرفة، تدّعي أن استهداف المخربين يهدف إلى إحباط نيات لتنفيذ عمليات مستقبلية وليس تصفية حسابات على أعمال وقعت في الماضي».
وفي محاولة تهدف إلى تأصيل مفهوم أن «الموساد» يقف وراء الاغتيال، قال هرئيل: «يمكن الافتراض بأن حماس معنية، أيضاً، بتفعيل طائرات غير مأهولة انتحارية تفجر المواد الناسفة التي تحملها، فوق أهداف معادية»، مضيفاً: «حزب الله يتقاسم مع حماس قسماً من تقنياته العسكرية». كما قال إن «حماس تبحث طوال الوقت عن طرق للتغلب على فجوة القدرات التي تصبّ في مصلحة الجيش الإسرائيلي، خلال المواجهات المستقبلية في القطاع... (لذلك) تعدّ تشكيلة من الوسائل الهجومية، التي يفترض بها نقل جزء من القتال إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، خلال المواجهة مع الجيش الإسرائيلي. وضمن هذا الإطار، يأتي دور الأنفاق، والغواصين والطائرات من دون طيار».
على هذه الخلفية، يرى هرئيل أنه «في هذه الظروف، يجب على إسرائيل، طبعاً، الاستعداد لإمكانية التعرض لعمل انتقامي مفاجئ... من المشكوك فيه أن التنظيم سيقرر فتح معركة جديدة فقط بسبب موت مواطن تونسي بعيداً عن القطاع، مهما كانت أهميته بالنسبة إلى مشروع الطائرات غير المأهولة في حماس».
إلى ذلك، نقلت «القناة العاشرة» في التلفزيون الإسرائيلي عن مراسلها موآف فردي، أنه سافر إلى تونس في اليومين الماضيين، قائلاً إنه لم يقدم نفسه على أنه إسرائيلي، ولافتاً في الوقت نفسه إلى أنه لم يكن يحمل كاميرات، لكنه التقط بعض الصور وذهب إلى ساحة تنفيذ العملية وتحدث إلى الجيران والأقرباء.