للمرة الأولى، كشفت وثائق سرية إسرائيلية، عن أن إسرائيل كانت على وشك ضم قطاع غزة وصحراء سيناء التي احتلتها في حرب 1956، إلى الأراضي المحتلة عام 1948، لكن رئيس الوزراء ووزير الأمن في ذلك الحين، ديفيد بن غوريون، تراجع عن هذه الخطوة في اللحظة الأخيرة.
وفق هذه الوثائق، وجه بن غوريون مذكرة إلى رئيس أركان الجيش موشيه ديان، في السادس من تشرين الثاني 1956، يعلن فيها قيام «مملكة إسرائيل الثالثة»، ومضاعفة مساحة إسرائيل أربع مرات. وفي اليوم التالي، أعلن بن غوريون أمام الكنيست أن «مكانة سيناء ستتجدد في هذه الأيام». وأضاف في الخطاب، الذي حفظ في أرشيف إذاعة الجيش، أن سيناء هي «النقطة المحورية لأمننا، وسلامنا الداخلي، وأيضاً لعلاقاتنا الخارجية في الساحة العالمية وفي الشرق الأوسط».
وأظهرت الوثائق المصنفة، التي وصلت إلى صحيفة «هآرتس»، كم كانت إسرائيل قريبة من تطبيق القانون الإسرائيلي على أراضي قطاع غزة وسيناء، ما يعني عملياً ضمهما إلى ما كانت قد احتلته وأعلنت فيه الدولة، لكن الوثائق نفسها كشفت عن وجود خشية إسرائيلية من الآثار السياسية بعد الحرب. ولفتت «هآرتس» إلى أن معهد الدراسات «عكفوت»، هو الذي كشف عن الوثائق، وتتكون من مراسلات تشير إلى نية السيطرة على الأراضي التي جرى احتلالها في حرب 56، وأنها كانت محفوظة في قعر ملف أرشيفي.
تظهر الوثائق أيضا أن المستشار القضائي آنذاك، حاييم كوهين، أعد لبن غوريون، وثائق تهدف إلى إعلان سريان القانون الإسرائيلي على الأراضي المحتلة. وذكرت «هآرتس» أن وزير القضاء آنذاك طلب لفت الانتباه إلى الآثار السياسية التي ستترتب على هذه الخطوة إضافة إلى الآثار العسكرية، مع أنه من جهته لا يعارض هذه الخطوة.
ووفق الصحيفة نفسها، فإن الوثائق، التي أعدها كوهين لبن غوريون، ولم يوقعها الأخير مطلقاً، تتضمن إعلانا لوزير الأمن (بن غوريون) يقول فيه إن «أراضي إسرائيل هي أراضٍ بحوزة الجيش الإسرائيلي»، وإن كل قانون يسري في إسرائيل يعد ساري المفعول أيضاً في كل منطقة يوافق وزير الأمن على أنها بحوزة الجيش. كما تذكر الوثائق، التي وصلت إلى المستشار القضائي لوزارة الخارجية آنذاك، شبتاي روزين، أن الأخير حذر من أن ذلك يعني عملياً «ضم غزة وسيناء إلى إسرائيل بما يتناقض مع القانون الدولي»، وأن هذا سوف يتسبب لإسرائيل بمشكلات سياسية معقدة.

خافت إسرائيل من
غضب دولي سبقته ضغوط أميركية وبريطانية


وأكد روزين أيضاً أن «ضم قطاع غزة سيفهم قانونياً كونه جزءاً من أرض إسرائيل الانتدابية، ولكن ضم سيناء سيؤدي إلى مشكلات قضائية ودولية خطيرة»، مضيفاً أنه بموجب القانون الدولي لا يكون نقل السيادة بموجب اتفاق سياسي. وموضحاً في الوقت نفسه أن فرض قوانين الدولة المحتلة على الأراضي الواقعة تحت الاحتلال «دلالة واضحة على فرض السيادة على أراض محتلة».
بالنسبة إلى غزة، حذر روزين، بالقول: «حتى لو لم أشكك في صلاحية وزير الأمن في اعتبار كل قطاع غزة حتى الحدود الدولية السابقة منطقة في حوزة الجيش الإسرائيلي، يجب أن يكون واضحاً أنه بهذا الشكل سيؤدي إلى ضمه إلى دولة إسرائيل».
في موازاة ذلك، اتضح في ذلك اليوم، أن المدعي العام العسكري الرئيسي مئير زوهر، أرسل رأيه إلى مكتب المستشار القضائي للحكومة، مستعرضاً الإمكانات المختلفة بشأن غزة وسيناء. وأشار بدوره إلى أنه من الناحية القضائية يمكن ضم القطاع وإعلانه منطقة مهجورة أو مستعادة. أما سيناء، فحدد أنه لا يمكن اعتبارها منطقة في حوزة الجيش، وفي حال ضمها سيسري عليها القانون الإسرائيلي، الأمر الذي «يتعارض مع معاهدة جنيف».
كذلك، رأى البروفيسور موطي غولاني، وهو من كلية «تاريخ شعب إسرائيل» في جامعة تل أبيب، أن الحالة التي أصابت بن غوروين آنذاك كان من الممكن أن تدفعه إلى إعداد أوراق من هذا النوع. لكنه أكد أنه لا يعلم بوجود تعليمات صريحة لبن غوريون أو من قبله بإعداد هذه الأوراق. والأمر نفسه أكده يهودا بلنغا، وهو مؤرخ متخصص بالشرق الأوسط من جامعة «بار إيلان»، الذي قال إنه لا يعلم عن وجود توثيق رسمي لنية بضم سيناء.
لكن ليئور يفني رأى أن هناك قيمة تاريخية لهذه الوثائق، ليس لأنها تلقي الضوء على ما كان يدور خلف الكواليس بعد حرب 1956، وإنما «تلون بألوان جديدة تعامل إسرائيل مع الاحتلال اليوم». ويضيف يفني أن «الخطأ الذي كاد يؤدي إلى ضم سيناء وقطاع غزة لإسرائيل عام 1956 استخلصت منه البنية التحتية للتحليلات الإسرائيلية لقوانين الاحتلال، التي كانت جزءا من الاستعدادات للاحتلال عام 1967، والتي لا تزال سارية حتى اليوم».
هكذا يتضح أن الأجواء السائدة في تلك المدة التي جرت فيها هذه المراسلات، تشي بأنه من جهة كان بن غوريون يعلن «مملكة إسرائيل الثالثة»، ومن جهة أخرى مورست عليه ضغوط شديدة، حتى من الولايات المتحدة وبريطانيا، للانسحاب. وعندما ألقى خطابه، أعطى الأميركيين موافقتهم على الانسحاب، وكل ذلك حدث في وقت متزامن، لأن الرئيس الأميركي الراحل دوايت آيزنهاور عارض ذلك مطلقاً.
ويبدو أن آيزنهاور رأى في الحرب مساراً يمكن أن يدفع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، إلى أحضان الاتحاد السوفياتي، لذلك مارس الضغوط على إسرائيل كي تنسحب.
مهما يكن، أعلن بن غوريون في السابع من تشرين الثاني أن إسرائيل ستنسحب من الأراضي التي احتلتها. لكن ما انسحبت منه آنذاك، عادت واحتلته في 1967.