عدن | انعكس غياب النصر الميداني الفعلي والواضح على مسار المفاوضات السياسية، وما كل مماطلة سعودية ــ خليجية وحلفاء العدوان من داخل اليمن، إلا تعبير عن الحاجة إلى المزيد من الوقت لتحقيق إنجاز ما على الأرض.
وبعد إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري مبادرته منتصف الشهر الماضي، حزم الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي حقائبه المتراكمة في الرياض، وعاد إلى عدن، ضمن عدة عناوين، أبرزها كان التحشيدات العسكرية لبدء معركة «استعادة تعز». لكن، لماذا تعز الآن؟
من الواضح لكثيرين أن هذه الخطوة فيها هروب إلى الأمام، والأمام هنا هو الاستحقاق السياسي بإنهاء الحرب والحصار. ولأنه لا يمكن الاكتفاء بتقديم ملاحظات على الخطط الأممية، فلا بد من عنوان للمرحلة المقبلة. حتى إن قدوم المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى عدن، ولحوقه بهادي لتسلّم ملاحظاته، لم يمكّناه من الحصول على جواب منطقي يمكن البناء عليه.
عملياً، لا يملك هادي وحلفاؤه، في هذا التوقيت، قوة عسكرية ــ بشرية لخوض معركة كبرى في تعز، رغم أهميتها بالنسبة إليه لتعزيز وضعه، في ظل رفض أبناء المحافظات الجنوبية من المجندين والعسكريين القتال خارج محافظاتهم، خاصة في تعز.

أدرك الجيش و«اللجان» أهمية الموقع الاستراتيجي للمحافظة منذ البداية


يضاف إلى ذلك الخلافات بين دول «تحالف العدوان»، السعودية وقطر والإمارات، حول إمكانية تحقيق تقدم في تعز، فضلاً عن تضارب المصالح بين القطريين الذين دعموا الخلايا الإخوانية فيها، والإماراتيين الذين أبقوا دعمهم بعيداً في جبهات مناطق الصبيحية في محافظة لحج، والحدود الغربية قبالة باب المندب، والشرقية على تخوم منطقة كرش (75 كلم) شمال عدن. كذلك، لم ينجح هادي، خلال زيارته الأخيرة للإمارات، في إقناع المسؤولين هناك بضرورة المشاركة في هذه المعركة.
وربما يبالغ بعض المحللين في النظر إلى أن هادي كان يطمح إلى نقل حكومته إلى تعز بدلاً من عدن، في محاولة لتعزيز شرعيته المفقودة، مع الأخذ بالاعتبار الضغوط الصادرة من قوى «الحراك» المدعومة إماراتياً.
ولهذه المحافظة موقع استراتيجي مهم، أدركه الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» منذ بداية الحرب؛ فهم، منذ خروجهم من المحافظات الجنوببة أواخر تموز 2015، تمركزت قواتهم على طول حدود التماس مع المحافظات الجنوبية، فيما بقيت تعز (170 كلم شمال عدن)، مرتكزاً أساسياً لحضورهم العسكري.
في المقابل، تدرك دول «التحالف» أن تعز، لا مأرب ولا الجوف ولا أي محافظة شمالية، هي مفتاح أي نصر عسكري يتبعه استحقاق سياسي، لذلك حرص الرئيس السابق علي عبد الله صالح و«أنصار الله»، على الحفاظ عليها، وتوزيع القوات في معظم مساحتها الجغرافية الكبيرة، خاصة مناطقها الجبلية المطلة على باب المندب غرباً ولحج وعدن جنوباً.
إذن، هل يستطيع هادي فتح هذه المعركة الخاسرة سلفاً؟ لا يبدو ذلك، وإلا لكان قد أقدم على ذلك من دون هذا الضجيج الإعلامي، بل في أقرب وقت ممّا يعد، خاصة أن دول العدوان ليس لديها ما يؤهلها هي الأخرى لفتح معركة مصيرية في تعز، وتكرار تجربة عدن التي صارت الآن تحت سيطرة فصائل مختلفة، تسبّبت تالياً في إرباك لقوى العدوان، أكثر ممّا كان يمكن أن يُحسب كخسارة لـ«أنصار الله» ولصالح.
على عكس ما حدث في عدن، حيث غابت عن «أنصار الله» الحاضنة الشعبية وخذلتهم الطبيعة الجغرافية الساحلية، فإن في تعز حاضنة قبلية في المناطق المتاخمة للمحافظات الشمالية، وهذا العامل يتقدم في الحسابات السياسية والميدانية، بل كان الأكثر حسماً في حروب اليمن التاريخية.
وتعز المدينة (مركز المحافظة) مدنيّة مثلها مثل عدن ولحج، وتكاد معظم أطرافها الريفية الجنوبية تشبهها في مدنيّتها، بعكس أرياف عدن ولحج ذات الحواضن القبلية المحاذية لهذا الريف التعزي شبه المدني، وهؤلاء ليس لديهم أي مطالب سياسية أو عداء مع تمركز الجيش و«اللجان الشعبية»، بل لأهل المدينة تجربة سيّئة مع العناصر الموالين للعدوان.
وبالنسبة إلى الأطراف الجبلية المطلة على الساحل الغربي، توجد بيئة موالية لصالح و«اللجان الشعبية»، ستعطل حتماً أي تقدم عسكري أو إنزال بحري. كذلك، تفيد مصادر قبلية من المحافظة بأنه لا أحد يأخذ تصريحات هادي ومسؤولي حكومته على محمل الجد بشأن معركة «استعادة» وشيكة أو بعيدة.