بغداد | يجلس أبو حسين، الرجل الستيني الذي أمضى سني شبابه في الحرب العراقية ـــ الإيرانية، في غرفة اجتماعات فخمة وعلى طاولة مستطيلة وحوله عدد من أقرانه يتفحصون ملامح بعضهم بعضا، وترتسم على وجوهم عدة أسئلة: القدر أم العوز أم الحنين للماضي أم مهمة وطنية؟ وبينما تدور في رؤوسهم كل تلك الأسئلة تحدث جعجعة قرب باب الغرفة فيتأهبون لاستقبال قيادي بارز في أحد الفصائل المتنفذة في «الحشد الشعبي». يدخل عليهم القيادي في «الحشد» مرحباً بابتسامة واضحة تبعث على الطمأنينة، ويحييهم فرداً فرداً شاكراً إياهم على تكبدهم عناء الوصول إلى المكان المحصن في ظل الحرارة التي تجاوزت الـ40 درجة مئوية، ويؤكد لهم أنهم «ثروة وطنية.
سيبقى الوطن يحتاج إليهم في كل وقت». تصدّر القيادي الاجتماع بينما أحاط به ثلاثة مرافقين، وبدأ بالتحدث بكلام اعلامي لا يخلو من المجاملة عن «داعش» و«الحرب المصيرية» و«المؤامرة» فيما ينصت الحضور بصمت، معطيا إشارات تحمل اتفاقا ضمنيا على ما يطرحه.
تلك صورة مصغرة لاجتماعات هيئة الرأي في بعض فصائل «الحشد الشعبي»، حيث قرروا أخيراً الاستعانة بضباط في جيش النظام السابق بصفة مستشارين وخبراء لإعانتهم في الحرب على «داعش»، بعدما وظّف الأخير خيرة بعض اولئك الضباط في المجلس العسكري، واستعان بهم في وضع خطط الهجوم والمباغتة ومسك الأرض، حتى إن وثائق كشفت أخيراً عن وقوف ضابط رفيع في جيش صدام يدعى «حجي بكر» وراء قوة «داعش».ويؤكد الخبير المختص في الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، نشوء هذا التوجه لدى فصائل في «الحشد الشعبي» وذلك خشية أن يستغل «داعش» المزيد من الضباط وذوي الخبرة في الجيش العراقي السابق الذي خاض أكثر من حرب نظامية، فضلاً عن قمع حركات التمرد المسلحة التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي.
ويبيّن الهاشمي في تصريح لـ«الأخبار» أن أبرز الفصائل التي استعانت بضباط في النظام السابق هي «سرايا عاشوراء» التابعة للمجلس الأعلى الاسلامي بزعامة عمار الحكيم، و«سرايا السلام» بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بصفة خبراء ومستشارين عسكريين، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم الصدر، صلاح العبيدي، خلال حوار متلفز أخيراً.
وأشار الهاشمي إلى أن تلك الفصائل خصصت راتباً شهرياً مقداره 500 ألف دينار عراقي، أي ما يعادل400 دولار شهرياً لأولئك الضباط. وبالرغم من المبلغ الزهيد إلا أن أغلبهم يجدون أنفسهم مضطرين للعمل بسبب أوضاعهم المادية، أو خشية أن تكون هناك علامة سيئة عليهم لعدم تعاونهم مع القوات الأمنية. أما المتحدث العسكري باسم «الحشد الشعبي»، كريم النوري، فقد رفض تأكيد أو نفي تلك المعلومات، مبيّناً أن «نداء المرجعية الدينية بالجهاد الكفائي لم يكن حصراً على فئة دون أخرى».
ويضيف النوري، لـ«الأخبار»، أن جميع العراقيين مرحب بهم في «الحشد» أو حتى القوات الأمنية شريطة ألا تكون أيديهم ملطخة بدماء العراقيين. وفيما أكد النوري أنه لم يسمع بالأنباء عن الاستعانة بضباط جيش صدام، ولا يعلم مدى صحتها، إلا أنه لم يستبعد أن تكون بعض الفصائل المقاتلة ضمن قوات «الحشد الشعبي» قد استعانت بهم، عازياً السبب إلى «الحاجة اليوم إلى تضافر كل الجهود، وهذا ما تؤكده الحكومة العراقية والقيادة السياسية والمرجعية الدينية». ويوضح مصدر في أحد الفصائل البارزة في «الحشد الشعبي» طريقة توظيف والاستعانة بضباط الجيش السابق، مبيّناً أن العملية تبدأ بتزكية بعض الأشخاص الموثوق بهم لهؤلاء الضباط الذين يمكن الاستفادة من خبراتهم. ويضيف المصدرأنه بعد ذلك «تجري مفاتحتهم بشأن العمل الجهادي معنا، من دون ممارسة اي ضغط عليهم»، مؤكداً أن هناك أشخاصا رفضوا حتى مع ترغيبهم لأسباب عدة.
ويقرّ المصدر بإجراء بعض عمليات «الاختبار والتمحيص» لهؤلاء الضباط لإبعاد أي شكوك محتملة نظراً لحجم المهمة التي سيكلفون بها واطلاعهم على بعض الأسرار «فكانت النتيجة أن أغلبهم يريدون التواصل فعلاً، وتقديم خدمات بقدر استطاعتهم للقوات الأمنية والحشد الشعبي».