القاهرة | سريعاً، وافق مجلس النواب المصري على تمرير قانون يقيّد بشكل كبير عمل الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني، من دون أي مناقشة مع أي ممثلين عن هذه الجمعيات، وحتى من دون الالتفات لقانون كانت تعدّه وزارة التضامن الاجتماعي.
قدم النائب عبد الهادي القصبي، مشروع قانونه قبل أسبوعين، وأقره المجلس بصورة نهائية يوم أمس.
منذ قيام «ثورة 25 يناير»، تعاملت الحكومات المصرية المتعاقبة بـ«عدائية شديدة»، إن جاز التعبير، مع منظمات المجتمع المدني، وخصوصاً المنظمات الحقوقية التي كانت سبباً في كشف انتهاكات حكومية عديدة في مجال حقوق الإنسان وتصعيدها دولياً. ففي نهاية عام 2011، جهزت الحكومة القضية الشهيرة «التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني»، التي يخضع أغلب العاملين البارزين في المجال الحقوقي إلى التحقيق على إثرها حتى الآن. وصدرت ضد بعضهم قرارات بالمنع من السفر والتحفظ على الأموال. وعلى هامش هذه القضية، كانت الحكومة تقترح مشاريع لقوانين بين الحين والآخر لتنظيم عمل هذه الجمعيات، كانت دائماً تلقى اعتراضات من ممثلي هذه المنظمات، لكن القانون الذي مرره البرلمان جاء أشد وطأة من كل ما اقترحته الحكومة أو حاولت تمريره سابقاً، ما عرف بـ«قانون القصبي» نسبة إلى النائب رئيس لجنة التضامن الاجتماعي في البرلمان، عبد الهادي القصبي.
ويتضمن القانون عقوبات تقيّد حرية عمل هذه المنظمات وتفرض غرامات تصل إلى مليون جنيه في حال مخالفة بعض نصوصه، المتعلقة بتلقي تمويل من دون موافقة الحكومة، سواء كان التمويل أجنبيا أو محليا، إذ يحظر على أي جمعية أو هيئة الحصول على تمويل يتجاوز 10 آلاف جنيه من دون الحصول على موافقة مسبقة، وإذا لم تُمنح هذه الموافقة خلال 60 يوماً من تقديم الطلب يعتبر مرفوضاً، كما ينص القانون على تشكيل جهاز قومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، ويحظر على أي جهة أو مؤسسة ممارسة العمل الأهلي دون الالتزام ببنوده.
ويمنح القانون فرصة لمدة عام لتوفيق أوضاعها مع بنود القانون الجديد، وإلا يتم حلها وتحويل أموالها إلى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية المنصوص عليه في القانون. كما يعطي القانون الحكومة وحدها سلطة تقرير من يحق له تأسيس جمعية أهلية وأهدافها، ويلزم الجمعيات بالعمل وفقاً لخطط الدولة للتنمية واحتياجاتها، ويوجب على الجمعيات الحصول على إذن من رئيس مجلس الوزراء والمحافظ المتخصصة بتنفيذ أي من أعمالها قبل البدء في التنفيذ. ويحظر العمل فى مجال (أو ممارسة نشاط يدخل فى نطاق عمل) الأحزاب أو النقابات المهنية أو العمالية أو «ذي طابع سياسي» أو «يضر بالأمن القومى للبلاد أو النظام العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة»، كما يحظر علي الجمعيات إجراءات استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها أو إجراء الأبحاث الميدانية أو عرض نتائجها قبل عرضها على السلطة المختصة للتأكد من سلامتها وحيادها.

يحظر التمويل
بأكثر من 10 آلاف جنيه دون موافقة مسبقة

كذلك، يحظر القانون على الجمعيات تغيير عنوان مقرها أو فتح مقار ومكاتب تابعة لها في أي من محافظات الجمهورية من دون موافقة كتابية من وزارة التضامن. وتعتبر مخالفة هذا البند جنحة من الممكن أن تعرض رئيس المنظمة للسجن لمدة عام. هذا بالإضافة إلى إخضاع قانون المنظمات المحلية والمؤسسات الأهلية والمسؤولين عنها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وإلزامهم بتقديم إقرار للذمة المالية كالمسؤولين الحكوميين.
اللافت في هذا القانون، أن البرلمان وضع نصب عينيه المنظمات الحقوقية التي كانت بمثابة «صداع» للحكومة طوال الأعوام الماضية. لكنه لم يلتفت إلى مئات الجمعيات الخيرية والأهلية التي تقوم بجزء كبير من عمل الحكومة في إنشاء فصول للتعليم ومحو الأمية في القرى الفقيرة، وتوصيل الغذاء وبناء مستشفيات وغيرها من الخدمات التي أصبحت بديلاً جيداً للعجز الحكومي بخاصة في المناطق والقرى الفقيرة.
وفي تعليق على القانون لهبة السويدي، مؤسسة واحدة من أكبر الجمعيات الخيرية في مصر، قالت فيه إن «هذا القانون وضع التخوين في أساس العمل الخيري، لما نص عليه من عقوبات وتشكيك وليبدأ بأن على كل عضو أو رئيس لمؤسسة أو جمعية ما تقديم إقرار إبراء ذمة سنوي، ليضع رقاب القائمين على هذا العمل الجليل تحت حكم قانون الكسب غير المشروع... وهذا ما نرفضه جميعاً لأننا لسنا موظفين في قطاع الحكومة ولكننا أحرار. إخترنا أن نخدم وطننا وأهله المحتاجين من مالنا وجهدنا». وواصلت السويدي تعليقها متسائلة، «هل يعقل أن تقوم كل جمعية بإخطار الجهات المعنية في كل مرة يتم التبرع لها، وليس من حقها أن تتصرف في هذه الأموال من دون أخذ الموافقة وإن خالفت تعرضت للعقوبة التي تصل الى السجن، ففي حالة مؤسستي ونحن نتعامل مع حالات الحروق فمن الطبيعي أن تأتينا حالات تعرضت للحرق وتحتاج الى أن تنقل إلى العناية المركزه وإلا فستموت فأقول لها معذرة انتظريني حتى تأتينا مواقفه قد تستغرق أياما عدة؟».
وعلى مستوى المنظمات الحقوقية، اعتبرت منظمة «هيومن رايتس وتش» القانون الجديد بمثابة «حظر للمجتمع المدني» في مصر. وقالت في بيان: «إن مر هذا القانون فإن جميع منظمات المجتمع المدني في مصر ستخضع لرقابة الأجهزة الأمنية». وفي بيان جماعي لـ29 منظمة حقوقية مصرية وحزب سياسي، تم الإعلان عن رفض القانون الجديد، وقال هؤلاء إن هذا القانون «يقضي فعلياً على المجتمع المدني ويحيل أمر إدارته للحكومة والأجهزة الأمنية، كما أدان البيان تعامل البرلمان مع المجتمع المدني باعتباره عدوا، تُحاك الخطط والقوانين السرية للقضاء عليه».