انطلقت جولة المحادثات السورية الجديدة في جنيف، أمس، على وقع هدوء تشهده معظم الجبهات بين الجيش والفصائل المسلحة في الميدان، وسط رهان أممي على «تحقيق بعض التقدم» على مستوى النقاشات التقنية للسلال الأربع. جدول أعمال الجولة التي تنعقد بعد إعلان تفاهم روسي ــ أميركي على هدنة في الجنوب السوري، سوف يبقى بعيداً عن تفاصيل تلك التفاهمات، على الرغم من ارتباطها الوثيق بعملية التسوية السياسية.
وهو ما عبّر عنه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، أمس في ختام اليوم الأول للمحادثات، بقوله إن الاتفاق الروسي ــ الأميركي مع جملة من التطورات في الميدان ــ بينها مجريات المعارك مع «داعش» ــ يقود إلى «تبسيط الصراع»، الذي قد يؤدي بدوره إلى «تخفيف التصعيد». الرهان الأممي على أن تدفع التفاهمات وتطورات الميدان، مسار العملية السياسية، جاء مصحوباً مع تحذيرات من ضرورة أن تفضي إلى حلول تضمن وحدة الأراضي السورية. وهو تحذير يأتي في وقت حساس تفرض فيه الولايات المتحدة نفسها كطرف مسؤول عن عدد من المناطق السورية الخارجة عن سلطة الدولة السورية. وفي هذا السياق، اعتبر دي ميستورا أن «عملية خفض التوتر هذه يجب أن تعتبر كمرحلة انتقالية.

شككت طهران باحتمال نجاح الاتفاق الأميركي ـ الروسي
في الجنوب
ويجب أن يكون هناك فهم لأن هذه المبادرة في نهاية المطاف لن تؤثر على وحدة سوريا وأراضيها ولا تعني التقسيم». وبدا لافتاً في السياق نفسه، إشارة المبعوث الأممي إلى إمكانية تدخل أميركي لحلحلة المشاكل التي اعترضت جولة المحادثات الماضية في أستانا، إذ لفت إلى أنه «كان هناك مسار معقد حول محافظة إدلب، وفي زيارة (وزير الخارجية الأميركي ريكس) تيرلسون لتركيا، سوف يتم التطرق إليها من أجل حلها». وبالتوازي، جاء كلام تيلرسون من تركيا عقب لقائه الرئيس رجب طيب أردوغان، ليفتح المجال أمام احتمالات جديدة لمسار التفاهمات في أستانا أو خارجها، إذ أكد الوزير الأميركي أن بلاده بدأت مرحلة استعادة الثقة مع أنقرة، مضيفاً حول اتفاق «تخفيف التصعيد» أنه «تم إحراز بعض التقدم في جنوب سوريا. ونأمل تكرار ذلك مع تركيا في بعض المناطق في الجزء الشمالي من سوريا». ومن المؤكد أن أي تفاهمات بين واشنطن وأنقرة حول مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في الشمال السوري، سوف تلحظ قضية التوتر التركي ــ الكردي في عفرين وغيرها من المناطق، وسوف تتأثر بالدعم العسكري الأميركي لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية، وخاصة أن تركيا مستمرة في تصعيدها العسكري حول عفرين، حيث شهدت المنطقة المحيطة في بلدة تل رفعت، أمس، قصفاً مدفعياً تركياً تسبب بسقوط ضحايا بين المدنيين.
وبدأت الجولة السابعة من المحادثات والتي يتوقع أن تمتد حتى 14 تموز الجاري، بلقاء بين المبعوث الأممي والوفد الحكومي السوري، ليعود دي ميستورا ويلتقي على غداء عمل ممثلي الوفود المعارضة. وقال المتحدث باسم «هيئة المفاوضات العليا» المعارضة، يحيى العريضي، إن وفدها يشارك «بتوقعات متواضعة»، مضيفاً أن «الهدف من مشاركتنا في جنيف هو الإبقاء على شيء من الزخم للحل السياسي، في ضوء محاولات روسيا حرف الاهتمام باتجاه أستانا». وأشار المبعوث الأممي إلى أنه سوف يتم خلال الأيام المقبلة «تغطية أمور ترتبط بالسلال الأربع»، مضيفاً أن «سلة الدستور هامة، لكنها ليست الوحيدة».
على صعيد آخر، بدا لافتاً موقف طهران المشكك بنجاح الاتفاق الروسي ــ الأميركي في الجنوب السوري، على الرغم من تأكيدها على أهميته. وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي، أنه «لو تم التفاهم على تعميم مناطق خفض التوتر وتوفير الأرضية لتثبيت الهدنة والاستقرار، فبإمكان (الاتفاق) أن يكون مفيداً بالتاكيد»، مشيراً إلى أنه «من خلال معرفتنا بسلوك أميركا في سوريا، وبينه عمليات القصف والهجوم على القوات السورية، نعتقد أن من الصعوبة أن يحقق هذا التفاهم تقدماً ويمضي إلى الأمام». واعتبر أن «ما تتابعه إيران هو الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها وتعميم مناطق خفض التوتر، وهو أمر لا يمكن حصره في نقطة أو نقاط خاصة بعينها». وأوضح أن «المحادثات ستفضي إلى الفشل إن لم تؤخذ حقائق الساحة بعين الاعتبار. وما ينبغي أخذه بالنظر هو حق سيادة سوريا وشعبها». وبالتوازي، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن بلاده سوف تستغلّ نجاح وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، للمضي نحو مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة.
وبعيداً عن المحادثات، حقق الجيش السوري وحلفاؤه تقدماً لافتاً على جبهة بادية ريف دمشق، جنوب مطار السين. وسيطروا أمس، على عدد من البلدات والتلال، بينها جبل سيس الواقع جنوب المطار بمسافة تقدر بحوالى 45 كيلومتراً. ويمنح التقدم الأخير الجيش مكاناً متقدماً يتيح له السيطرة النارية على طول الممر الذي يفصل قواته المتقدمة من الشمال عن مواقعه في قرب تل الصفا، على أطراف بادية السويداء جنوباً. في موازاة ذلك، استكملت قوات الجيش عملياتها من منطقة تل دكوة باتجاه الجنوب، ومن الريف الشرقي للسويداء باتجاه الشمال الشرقي، وصولاً إلى منطقة القصر وتل أصفر. وفي ريف حمص الشرقي، استعاد الجيش السيطرة على محطة الهيل للغاز الواقعة جنوب مدينة السخنة، بعد قيام مسلحي «داعش» بـ«تفخيخ المحطة قبيل خروجهم منها»، وفق مصدر ميداني. ويشير المصدر في حديثه إلى «الأخبار» إلى أن «وتيرة المعارك تشتد كلما اقتربنا من السخنة أكثر، وذلك لأهميتها بالنسبة إلى تنظيم (داعش)، الذي يعتبرها خط الدفاع الأول والأهم عن مدينة دير الزور».
(الأخبار)