كما لو أن إسرائيل لا تحتل مدينة الخليل، ولا تحتل فلسطين، ولا تعمل على تهويد الأرض والذاكرة، ضمن هذا المنطلق، اعترض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على قرار لجنة التراث العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ــ «اليونسكو»، بإعلان الحرم الإبراهيمي موقعاً تراثياً فلسطينياً.
ووصف نتنياهو القرار بـ«الوهمي»، مشيراً إلى أن إسرائيل تواصل الحفاظ على «الحرم الإبراهيمي» في الخليل. مع ذلك، يفترض أنه بعد صدور القرار، الذي نال تأييد 12 دولة عضواً، مقابل رفض ثلاث دول، وامتناع ست، باتت مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي على قائمة التراث العالمي، وبات المطلوب حماية هذه المواقع دولياً.
نتنياهو تجاهل سياسة التهويد التي تفرضها إسرائيل على فلسطين، مستغرباً كيف أن لجنة التراث اعتبرت «الحرم الإبراهيمي»، تراثاً فلسطينياً، بل رأى أن القرار ينطوي على خطر يهدد «الحرم» حيث يتم ضمانة حرية العبادة للجميع»، فيما أمر بإلغاء «دعم» للأمم المتحدة مقداره مليون دولار!

أمر نتنياهو بوقف «دعم» بمليون دولار كان يقدم إلى «اليونسكو»


وكما هو متوقع، استغل نتنياهو أداء الجماعات الإرهابية والتكفيرية في منطقة الشرق الأوسط، الذين يفجرون المساجد والكنائس في المناطق كافة. في المقابل، تجاهل المجزرة التي ارتكبها الإرهابي الصهيوني باروخ غولدشتاين الذي أردى عشرات المصلين في الخليل عام 1994. وتجاهل أيضاً الدلالات التي تنطوي عليها حقيقة أن الذين يفجرون معابد غير المسلمين هم أنفسهم الذين يفجرون معابد المسلمين ومقاماتهم.
في غضون ذلك، رد نتنياهو على قرار «اليونسكو»، وفق بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، بـ«تحويل مبلغ المليون دولار لأجل إقامة المتحف اليهودي في كريات أربع في الخليل... بالإضافة إلى مشاريع أخرى تتعلق بالتراث اليهودي في المدينة».
أيضاً، لم ينتظر بقية الزعماء الإسرائيليين طويلاً حتى توالى بعضهم بالإدلاء بمواقفهم العدوانية. وأعرب رئيس «البيت اليهودي»، نفتالي بينت، اليميني المتطرف، عن غضبه على قرار «اليونسكو»، واصفاً إياه بـ«المخجل»، ومؤكداً «رفض إسرائيل هذا القرار... وسنعمل على تعزيز الهوية اليهودية لمدينة الآباء».
ويبدو أن إسرائيل تعاملت مع قرار «اليونسكو» على أنه «صفعة» في مواجهة السياسة الترويجية التي تعمل عليها، كونه يعبر عن حقيقة أن ما هو على أرض فلسطين، من الطبيعي أن يكون تراثاً فلسطينياً. وعلى هذه الخلفية، اتهم بينت «اليونسكو» بأنها أداة للمقارعة السياسية في مواجهة إسرائيل.
في السياق نفسه، وصف رئيس الدولة رؤوبين ريفلين، القرار بأنه «أكاذيب معادية لليهود»، ورأى أن تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية «ترويج للكذب المعادي لليهود»، فيما لم ير أن سياسة التهويد التي تفرضها إسرائيل على فلسطين، هي سرقة وكذب موصوفان.
امتداداً لسياسة «الفجور» التي تحاول بها التعتيم على الحقائق التي ينضح بها الواقع، هاجم وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، عن حزب «الليكود»، القرار، قائلاً: «لا يوجد حدود للنفاق. الفلسطينيون يواصلون حملة التحريض والتزوير بواسطة اليونسكو».
وكانت إسرائيل قد جندت دبلوماسييها ودبلوماسيين من مختلف الدول، على رأسهم السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هالي، لمنع هذا القرار، الذي يحتاج إلى ثلثي أصوات الأعضاء في لجنة التراث، المكونة من 21 دولة، بينها 4 عربية. وبذلت في هذا المجال كل ما تملكه من وسائل، لمنع إصدار قرار يعلن الحرم الإبراهيمي ومدينة الخليل ضمن مواقع التراث العالمي باسم فلسطين.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم، إن الحل الأمثل لمنع هذا القرار أن يكون التصويت سريًاً، وأن «إحدى الدول العربية التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وعدت بالتصويت لإسرائيل في حال كان التصويت سريًاً».
وإذا ما كان هذا الموقف صحيحاً، فليس من الصعوبة تقدير هوية هذه الدولة، إذا ما عرفنا أن الدول التي تملك عضوية في اللجنة هي: الإمارات، العراق، الجزائر وقطر، مع الإشارة إلى أن الإمارات تسير في الركب السعودي المندفع نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما سبق أن شاركت في مناورات جوية مشتركة مع إسرائيل في أكثر من ساحة عالمية.