بعد يومين فقط على ختام جولة محادثات أستانا الأخيرة، والتي كشفت عن مسار مستقلّ سيخوضه الجنوب السوري بعيداً عن طاولة النقاش في العاصمة الكازاخية، تم الإعلان عن توافق روسيّ ــ أميركي على هدنة في «منطقة تخفيف التصعيد» الجنوبية. الإعلان الذي جاء عقب لقاء هو الأول من نوعه بين الرئيسين؛ الأميركي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش «قمة العشرين» في هامبورغ، كان وليد محادثات طويلة استضافتها العاصمة الأردنية عمان، وجرت في موازاتها لقاءات بين الأطراف المتحاربة على الأرض في مدينة درعا، بوساطة روسية.
وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، أن بلاده والولايات المتحدة اتفقتا على وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، بدءاً من الساعة الثانية عشرة بتوقيت دمشق، من يوم غد، موضحاً أن «خبراء روسيين وأميركيين وأردنيين اتفقوا في عمان على مذكرة تفاهم لإقامة منطقة خفض تصعيد». ولفت إلى أن «الولايات المتحدة التزمت بأن تحترم جميع المجموعات (المسلحة) الموجودة هناك وقف إطلاق النار»، مضيفاً أن قوات الشرطة العسكرية الروسية سوف تكون مسؤولة عن الأمن في منطقة تخفيف التصعيد في الجنوب، على أن يتم تنسيق العملية مع الولايات المتحدة والأردن.
وفي السياق، أشار وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى أن «تفاصيل الاتفاق سوف يتم الانتهاء منها خلال أقل من أسبوع»، معتبراً أن الاتفاق «يعد أول مؤشر على أن الولايات المتحدة وروسيا قادرتان على العمل معاً حول سوريا».

نتج الاتفاق من
أوّل تواصل لواشنطن بدمشق ولو عن
طريق وسيط


ويُنتظر الكشف عن تفاصيل الاتفاق الذي توصل إليه الخبراء في عماّن، بما في ذلك حدود منطقة «تخفيف التصعيد» وآلية تمركز القوات الحكومية والمعارضة عن تلك الحدود، إلى جانب آلية المراقبة وضبط الأمن التي تضم شقين أساسيين؛ الأول تتولاه القوات الروسية العسكرية عبر أفرادها ومواردها على الأرض، والثاني من خلال مركز مراقبة مشترك في عمّان. وفي هذا الشأن، أكد وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام محمد المومني أنه «وفقاً لهذه الترتيبات التي تم التوصل إليها في عمان، سيتم وقف إطلاق النار على طول خطوط تماس اتفقت عليها قوات الحكومة السورية والقوات المرتبطة بها من جانب، وقوات المعارضة السورية المسلحة».
ويبدو لافتاً في تفاصيل الاتفاق الأولية التي ظهرت، غياب وجود لقوات «ضامنة» غير روسية تعمل في الميدان، وهو ما يتقاطع مع اعتراضات دمشق وحلفائها على دخول قوات أميركية أو أردنية إلى الجنوب، ومع اعتراضات واشنطن وحلفائها الأردنيين والإسرائيليين على وجود قوات إيرانية في تلك المنطقة أيضاً.
وبرغم التأكيد الأميركي على نجاح التعاون الأول مع الطرف الروسي، فإن الاتفاق الذي تعد الحكومة السورية طرفاً فاعلاً ضمنه، يُعتبر خطوة فريدة وسابقة من قبل واشنطن في التواصل الرسمي مع دمشق ولو عن طريق وسيط. ولا يمكن قراءة هذه الخطوة بعيداً عن التسريبات التي نُقلت عن تيلرسون حول تسليم ملف مصير الرئيس السوري بشار الأسد، إلى موسكو، كذلك في ضوء ما نقلته صحيفة «ذي دايلي بيست» قبيل الإعلان عن الاتفاق، والذي يفيد بأن الصفقة الأميركية مع موسكو تندرج ضمن إطار تركيز إدارة ترامب على الحرب ضد «داعش»، والتخلي عن المطالبة بتنحي الأسد. وضمن هذا السياق، خرج تيلرسون في أول تصريح حول هذا الملف عقب اجتماع هامبورغ أمس، مستخدماً تعابير غير حاسمة، إذ قال إن «كيفية رحيل الأسد لم تتحدد بعد»، مضيفاً: «سوف يحدث انتقال في مرحلة ما عبر عملية سياسية، لا يشمل الأسد ولا أسرته».
وفي موازاة ذلك، بدا لافتاً أن تيلرسون أكد أن ترامب وبوتين «أجريا مناقشة طويلة حول مناطق أخرى في سوريا، حيث يمكننا أن نواصل العمل معاً من أجل خفض التصعيد». وهو ما قد يفتح المجال أمام تفاهمات إضافية في مناطق أخرى من الميدان السوري، بين موسكو وواشنطن.
وبينما لم يصدر أي تصريح رسمي من قبل الحكومة السورية حول هذا التطور، يمكن قراءة استباق دمشق للإعلان عن الاتفاق وإعلان هدنة من طرف واحد وتمديدها، على أنه بادرة قبول وترحيب بالمحادثات التي أفضت إلى التفاهم الأميركي ــ الروسي، وذلك على الرغم من أن مدينة درعا شهدت خلال أيام الهدنة الماضية قصفاً متبادلاً متقطعاً بعد خروقات من قبل الجماعات المسلحة، حتى بعد الإعلان الأميركي ــ الروسي الأخير.
وفي رد فعل أولي على الاتفاق، قال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، إن بلاده ترحب بأي وقف لإطلاق النار في سوريا، مضيفاً أن «التاريخ الحديث للحرب السورية فيه الكثير من إعلانات الهدن، وسيكون من الجيد وجود وقف إطلاق نار في يوم ما».