القاهرة | قبل أسابيع قليلة، وقف حمدين صباحي على سلم نقابة الصحافيين في وسط القاهرة هاتفاً ضد تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. ألقى صباحي، المرشح الرئاسي السابق والذي نافس الرئيس عبد الفتاح السيسي في انتخابات 2014، كلمة هاجم فيها النظام الحالي.
بعدها بأيام، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على الناشط اليساري كمال خليل، من مقر إقامته، لاتهامه بـ«إهانة الرئيس والدعوة للتظاهر ونشر إشاعات كاذبة»، خرج بعدها على ذمة القضية وبكفالة، فيما قُبض على صحافيين آخرين وناشطين بسبب الاعتراض على التنازل عن الجزيرتين. البعض قال إن المعارضة المصرية دبّت فيها الحياة، وإنها ستعود سريعاً إلى الشارع، خصوصاً أن أحوال مصر لا تسرّ شعبها.
لكن الواقع أشار، بعد توقيع السيسي على الاتفاقية بشكل نهائي، إلى أنه لا معارضة حقيقية للرئيس والسلطة الحالية، خصوصاً أن الاحتجاجات في قضية تيران وصنافير، إلى جانب المسار القضائي المتواصل، اقتصرت على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما غابت التظاهرات عن الشوارع والميادين، في ما خلا بعض التجمعات الخجولة هنا وهناك.

من هم المعارضة المصرية؟


لم تؤدِّ الإجراءات الاقتصادية إلى صنع معارضة حقيقية

قليلون جداً يمثلون الآن المعارضة، وهم شخصيات معروفة تقريباً منذ أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك. بل إن دائرة المعارضة خلال حكمه كانت أوسع من الآن بكثير. أما اليوم، فقد ضاقت حلقة المعارضة حتى أصبحت تقتصر على عدد من الشخصيات العامة مثل حمدين صباحي وخالد علي، وكلاهما كان مرشحاً للرئاسة ويظهر آخرون أحياناً مثل هشام جنينة، وكذلك عدد من النواب في البرلمان، تحديداً المجموعة المعروفة باسم «25 ــ 30» (تضم نواباً مثل المخرج خالد يوسف وهيثم الحريري وأحمد الطنطاوي). وتقف في صف المعارضة مجموعة من الحقوقيين، وبعضهم متّهم في قضية «التمويل الأجنبي» التي أحياها نظام السيسي خلال السنة الأخيرة، مثل الحقوقي جمال عيد، وبالطبع عدد من الشباب غير المنظم حزبياً. ويظهر من وقت إلى آخر تابعون لـ«التيار الشعبي» وحزب «الكرامة»، ويقتصر ظهور المعارضة تقريباً على القاهرة، فلم يعد هناك فعاليات لأي صوت معارض في المحافظات الأخرى.

تمويت السياسة في ثلاث سنوات

يخشى نظام السيسي من التظاهرات لارتباطها في السنوات الأخيرة بإطاحة الرئيسين مبارك ومحمد مرسي. لذا، حين ظهرت المعارضة له بشكل حقيقي في الشارع، وتحديداً في نيسان/ أبريل 2016، عمل على التضييق عليها تماماً، وعمد إلى القبض العشوائي على عدد من المتظاهرين. فحين أعلن بشكل مفاجئ توقيع الحكومة، برئاسة شريف إسماعيل، على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي تتضمن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، تظاهر أعضاء من حزبي «الكرامة» و«الدستور» وشباب من مختلف الحركات السياسية غير المنظمة، لكن الثمن كان غالياً جداً وقتها، حين عمل الأمن المصري على تكبيد المعارضة التي ظهرت لأول مرة وقتها منذ مجيء السيسي إلى الحكم خسائر فادحة، معنوية بالقبض على كثيرين، ومادية بالكفالات التي خرج بها شباب على ذمة قضايا تظاهر (تم جمع خمسة ملايين جنيه لكي يخرج عدد من الشباب المقبوض عليهم)، وهكذا وصولاً إلى المشهد الأخير، حين وافق السيسي على تسليم الجزيرتين للسعودية، فلم يعترض أحد.

الوجوه القديمة لا تنفع؟

إلى جانب تيران وصنافير، اتخذ السيسي والحكومة إجراءات اقتصادية عدة منذ جاء إلى الحكم، تضررت منها كل الطبقات الاجتماعية، لكن هذا لم يؤدّ إلى صنع معارضة حقيقية. الأحزاب لم يعد لها وجود، فقد تفكّك حزب «المصريين الأحرار» أخيراً إلى جبهتين، ولا صوت لحزب «الوفد»، أما حزب «الكرامة» فهو يعاني دائماً من مشاكل مالية، وإن كان هو الأكثر عدداً على الأرض، وعمل شباب كثيرون من خلاله في السياسة عبر مشاركتين لحمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية (2012 و2014) وفعاليات سياسية أخرى عديدة. لكن حال الأحزاب نفسها وعدم قدرتها على الوقوف ضد محاولات تفتيتها جعلا الشباب يعملون خارجها، وهذا أسهم أكثر في خلق معارضة غير منظمة. إذاً، هذه معارضة موجودة بالفعل، لكنها غير فاعلة تماماً، ولا ظهير شعبياً لها الآن، في وقت لا أمل فيه في فعالية أحزاب بسبب التضييق الأمني عليها، والتدخلات التي تؤدي إلى تقسيمها إلى كيانات متصارعة. من جهته، عبّر المواطن عن ملله تكرار الوجوه نفسها التي لا تعطيه أملاً في تغيير جاد. ربما يرى البعض أن المحامي خالد علي معارض جديّ وجديد لم تملّه شاشات التلفزيون ولا المواطن بعد، وهو يقوم بأمور على الأرض بعيداً عن التظاهر والهتاف فقط اللذين لم يعد لهما جدوى في ظل التضييقات الأمنية، فقد حصل خالد علي على حكم بمصرية جزيرتي تيران وصنافير وأحكام أخرى عديدة تنتصر لحقوق العمال.
مسألة التظاهر والهتاف تؤكد أن المعارضة المصرية لا تجدد أفكارها ولا أشخاصها. فقد أصبح معروفاً أنه حين تتظاهر سيقبض عليك. وحتى كتابات مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد منظمة ولا هي تحدث زخماً في قضية معينة، الأمر الذي كان يمكن أن يحدث بالفعل إن كان هناك تنظيم لذلك،. ويبدو أن الانتخابات الرئاسية التي يحين موعدها بداية السنة المقبلة، ليست على جدول أعمال معارضة مصر، إذا ما استثنينا تلميح خالد علي قبل فترة إلى احتمال ترشحه. أما الباقون «فلا حسّ ولا خبر». في المحصّلة، يمكن القول إن معارضة مصر تعيش الآن في عصر «الهوجة» التي تنتهي أسرع مما يمكن، فلا هي تؤثر في النظام ولا هي تشعر الشعب بها.