الموصل على أعتاب العودة إلى حضن بغداد. وإلى أن تقضي القوات العراقية على آخر مسلحي تنظيم «داعش» في «عاصمة الخلافة»، وتحديداً في جيوبهم الأخيرة في المدينة القديمة، فإن الحديث حول «ما بعد الموصل» يتصدّر المشهد، لما للأمر من انعكاسات على مختلف أنحاء البلاد.
توقيت «النصر النهائي»، والمتوقّع بأن يكون في الأيام المقبلة، يصفه مصدر عسكري بأنه «ليس صدفة». وبعد سقوط مسجد النوري الكبير، واصلت القوات أمس تقدّمها في أحياء المدينة القديمة، حيث استعادت سوق الشعارين، ومنطقتي النبي جرجس، وعبد خوب. وتتوقّع مصادر عسكرية أن «تُنجز المهمة مطلع الأسبوع المقبل»، وأن يكون «خطاب النصر» في الرابع من تموز، في اليوم عينه الذي ألقى فيه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي خطاب «إقامة دولة الخلافة».

أبلغ العبادي مقرّبين منه، منذ انطلاق العمليات، أن المعركة ستتّسم بالبطء


وبالعودة إلى «الخطّة العسكرية» (الخاصة باستعادة المدينة) التي رُسمت مطلع صيف العام الماضي، فإنها قضت بأن يكون تقدّم القوات في المدينة والتوغّل في أحيائها «بطيئين نسبياً»، حفاظاً على أرواح العسكريين والمدنيين في آنٍ واحد، وأن يكون «إعلان التحرير» في ذكرى «إعلان الخلافة».
ففي 17 تشرين الأوّل 2016، أطلق رئيس الوزراء حيدر العبادي عمليات «قادمون يا نينوى» لاستعادة المحافظة الشمالية. كان تقدير الرجل، منذ ذلك الحين، أن تعود المدينة إلى كنف الدولة في حزيران 2017. أسرّ «أبو يُسر» لعددٍ من المقرّبين منه بأن العمليات ستتّسم بـ«البطء»، آخذاً في الاعتبار «العراقيل التي قد تطرأ وتؤخّر تحقيق الإنجاز».
وبمعزل عمّا إذا صح التوقّع أو لا، فإن العبادي وحكومته في المرحلة المقبلة سيكونان أمام تحدياتٍ عدّة، يتمثّل أبرزها في إعادة الإعمار. وهو استحقاقٌ اقتصاديٌّ ــ اجتماعي، سيسهم ــ إن اجتازته الحكومة العتيدة ــ في «تجفيف منابع وأسباب» نشوء حاضنة جديدة لتنظيم «داعش» أو غيره.
ووفق معلومات «الأخبار»، فإن رؤية العبادي ترتكز على «تحقيق الاستقرار في المناطق المحرّرة، والشروع في إعادة الإعمار». وتهدف هذه السياسة إلى إشعار أبناء المحافظات بأن الحكومة «لن تتخلى عنهم بعد طرد داعش»، خصوصاً أن «أحد أسباب خلق الحواضن»، بتعبير مصدر عراقي مسؤول، «هو تخلّي الحكومة المركزية عنهم، كما حدث إبّان الحكومات السابقة، وهو ما أدّى إلى سقوط الموصل وغيرها من المدن».
ويسعى العبادي، من خلال جولاته الإقليمية والدولية (السابقة والمقبلة)، إلى إخراج العراق من أيّ اصطفافٍ إقليمي.
وتفتح خطط العبادي الباب للسؤال: «هل الخطط المرسومة ستؤدّي إلى انتهاك السيادة العراقية؟»، أو إلى «خصخصة مؤسسات الدولة» ليس لجهاتٍ داخلية فحسب؛ بل لأطرافٍ خارجيةٍ أيضاً؟
يدرك العبادي وفريقه هذا الهاجس، وهو سيكون مقتلاً له في الكباش الداخلي القائم. ويؤكّد مطّلعون أن «الحكومة ستمنح حرية الحركة للمنظمات الدولية في مسألة تمويل المشاريع، ولن تتدخل في تفاصيلها». وتشير المعطيات إلى أن الحكومة ترفض أيَّ «إخلالٍ بالسيادة العراقية وتتمسّك بها»، على أن يتّسم منهجها بـ«الاستيعاب والتفهّم لمختلف المكوّنات الطائفية والقوى السياسية».
ولن تكون بغداد، في المرحلة المقبلة، «حديدية الطباع» أو «صلبة القرار»، بل ستمنح «فسحة واضحة للمحافظين في هذا المجال»، في سياسة تعتمد على مركزة القرار، ومرونة التعاطي مع الأطراف، وتفهّم خصوصيات المكوّنات المتعدّدة، خصوصاً في المناطق المترامية، والبعيدة عن العاصمة، والتي تحتاج إلى قرارٍ قد يُفهم ــ أحياناً ــ أنه متعارضٌ مع توجّه العاصمة.
وإن كانت الحكومة ستمنح المحافظين بعض الخصوصية، إلا أنها ستُبقي على حق «النقض» والتدخل في هذا الصدد، أي في المشاريع والبرامج الخاصة بالمحافظات، و«ستتدخل مع وجود حاجة ملحّة لوقف فساد، أو ردع جهة تكون مانعة لإقامة أو استكمال مشروع هنا أو هناك».
وتُفسّر هذه المعطيات، وبمقاطعتها مع نتائج زيارات العبادي، بأن المرحلة المقبلة «تُبشّر خيراً»، بمعزل عن الاشتباك الميداني ضد «داعش» أو على الحدود العراقية ــ السورية. فالاقتصاد العراقي بات مثخناً بالانتكاسات، وهو على شفير انهيارٍ إن لم يُعالج سريعاً، بدعمه من جهة وتحريك العجلة الاقتصادية من جهة أخرى. فالحضور العراقي، في الوسطين الإقليمي والدولي، بوصف مصادر متعدّدة، بات أقوى عمّا كان، «فقد خرجت بغداد من عزلة المرحلة السابقة»، خاصّةً أن «إشغال الشباب وخلق فرص عمل جديدة لهم وإبعاد شبح التهميش عنهم، ستشكّل دافعاً اجتماعياً للنهوض بالبلاد».
(الأخبار)