بعد يومين على التهديد الأميركي ضد دمشق المبنيّ على «معلومات استخبارية» حول هجوم كيميائي «محتمل» يخطط الجيش السوري لشنّه، تواصل الولايات المتحدة اللعب على بناء مكمّلات المشهد المفترض، ورفع سقف التوتر الذي أثاره بيان البيت الأبيض.
إذ سارعت واشنطن إلى التأكيد على «سريّة» المعلومات التي دفعتها إلى إطلاق التحذير، وعدم نيتها مشاركتها مع الأطراف المعنية بالملف السوري. التكتم الأميركي يستبق أي جدل متوقع في مجلس الأمن، من قبل روسيا، على غرار ما جرى بعد ضربة الشعيرات، حين امتنعت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون عن تقديم «أدلة» تدين الحكومة السورية، وعطّلت مشروعاً لإنشاء لجنة تحقيق تزور خان شيخون في ريف إدلب ومطار الشعيرات، وفق اقتراح روسيّ.
في المقابل، تبدو موسكو حازمة تجاه التصعيد الأميركي، إذ جدد لافروف تأكيد رؤية بلاده بأن على الولايات المتحدة الامتناع عن «خلق ذرائع لهجمات جديدة على القوات الحكومية التي تقاتل الإرهابيين، استناداً إلى بعض بيانات المخابرات السرية». ولفت في الوقت نفسه إلى أن بلاده تتوقع من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، اتخاذ خطوات لتهدئة الوضع في سوريا بدلاً من إجراءات تشكل تهديداً لسلامة أراضي سوريا، وذلك «من خلال التخلي عن محاولات السيطرة على بعض أجزاء هذا البلد، وتعريض الاستقرار الإقليمي للخطر». وشدد على أن بلاده «سوف ترد بكرامة وبشكل متناسب، على الاستفزازات الأميركية المحتملة»، مشيراً إلى أن نظيره الأميركي ريكس تيلرسون، اتصل به هاتفياً للإشارة إلى أن بلاده «سوف تصدر تلك التحذيرات بعدما تلقت بعض المعلومات عن هجوم جديد بالأسلحة الكيميائية، أعدته الحكومة السورية ضد عناصر من المعارضة».
ويأتي الحديث الروسي بالتوازي مع تصريحات لافتة أدلى بها وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، تقول إن الحكومة السورية «أخذت على محمل الجد» التهديدات الموجهة ضدها. وأوضح لعدد من الصحافيين المسافرين معه إلى بروكسل لحضور اجتماع لوزراء دفاع دول «حلف شمال الأطلسي»، أن السؤال حول ما إذا «ألغت القوات السورية هذا الهجوم» يجب أن يوجّه إلى الرئيس السوري بشار الأسد. وبرغم أن ماتيس لم يتطرق بشكل مباشر إلى المعلومات الاستخبارية حول مطار الشعيرات، فقد أشار إلى أن «برنامج الأسد الكيميائي يتجاوز مطاراً واحداً»، وهو ما قد يترجم كمدخل لاستهداف مطارات وقواعد عسكرية مختلفة عن مطار الشعيرات، في سياق أي عدوان أميركي محتمل.
التهرّب الأميركي من الحديث عن المعلومات التي تم اعتمادها لإطلاق التهديد، بدا واضحاً خلال مؤتمر صحافي للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نورت، إذ أصرّت الأخيرة على أن بلادها «لم ولن تقدم أي أدلة... لأنها تعتبر مسألة استخبارية»، مشددة في الوقت نفسه على أن تلك المعلومات «تسترعي اهتمام أعلى مستويات الإدارة الأميركية».
وفي سياق متصل، حذرت وزارة الخارجية الروسية، الولايات المتحدة من أي إجراءات عدائية في سوريا، بشكل يعدّ انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة، موضحة أنها تعتبر «دعوة للإرهابيين والمتطرفين» لافتعال استفزاز آخر باستخدام مواد كيميائية. وبدوره، حذّر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، واشنطن من أي تصرفات أحادية الجانب وانتهاك القوانين الدولية والسيادة السورية، معتبراً أن تلك التصريحات «لعب بالنار»، ورأى أن «مجريات الميدان كفيلة بإنهاء استمرار العدوان الأميركي من دون تلقي الرد المقابل».
(الأخبار)