أيامٌ قليلة ويمرّ عام على إعلان «دولة الخلافة». في 29 حزيران من العام الماضي، شاهد العالم إصدار «كسر الحدود» الصادر عن «مؤسسة الاعتصام للإنتاج الإعلامي»، إحدى الأذرع الإعلامية لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أو ما بات يعرف بـ«داعش». وضمن الإصدار، أعلن الناطق الرسمي للتنظيم أبو محمد العدناني، ومعه أبو عمر الشيشاني «الخلافة الإسلامية»، و«فتح الحدود العراقية ـ السورية» وحذف كلمتي العراق والشام من مسمى التنظيم، ليصبح «الدولة الإسلامية». لم يمض أسبوع على الإعلان، حتى خرج أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم في 4 تموز من العام نفسه، في مسجد الموصل، منصّباً نفسه خليفةً على الناس.وبعد سنة على هذه الأحداث، وما تلاها من انتكاسات وإنجازات للتنظيم، حمل اليومان الماضيان، نوعاً من الاحتفالية بذكرى بناء دولة «الخلافة». هجمات لـ«داعش»، في دولتين متباعدتين. «تصول وتجول دولة الخلافة بين ثلاث قارات: آسيا، أفريقيا، وأوروبا»، كما عبّر أحدهم على موقع «تويتر»، داعياً لدولته وجنودها بـ«تسديد الرمي وثبات الأقدام».

وفي ارتدادات الأعمال الإرهابية على الساحة الافتراضية، أظهر الدواعش حالة من النشوة العارمة، بانتصاراتهم وأعمالهم. عبارات المديح بالأفعال الإجرامية من مؤيدي «داعش» عبّر عنها بأكثر من وسم (هاشتاغ)، كـ«الدولة الإسلامية»، و«دولة الخلافة»، و«تفجير معبد الصادق». وبحسب أحد المغردين فإن تفجير جامع الصادق في الكويت هو نتيجة «دعم شيعة الكويت وحكومتها للحشد الشيعي الرافضي». فيما نشر آخر صورة أحد الكويتيين خلف مساعدات إلى «الحشد الشعبي» العراقي، معبراً ومجيشاً أن «هذه مساعدات روافض الكويت للميليشيات العراقية لقتل السنّة»، متوعداً بالمزيد من أفعال كهذه.
رأى أنصار«داعش»
في أعماله انتصاراً لـ«أهل السنة»

واستكمل آخر بأن «دولة الخلافة الإسلامية جعلت الكفار يترقبون أين ستكون الضربة القادمة»، في إشارة إلى العمليات الانتحارية التي نفذت أيام الجمعة باستهداف المصلين في المساجد، والتي هي «معابد شركية» بحسب وصف أحدهم، و«يُطعن فيها بعرض نبينا» كما قال آخر. أما الاستهزاء، فقد دخل على خط التعبير عن النشوة المفرطة لدى «الدواعش»، إذ عبّر أحدهم بأن «كل من يظن ينعى روافض القديح، جاءه التفجير عنده».
من جهة ثانية، وفي بيان شبه رسمي صدر عن تنظيم «داعش» فإن العملية نفّذها «أحد فرسان أهل السنة الغيارى» في «ولاية نجد»، في دلالة على أن دولة الكويت هي ضمن ولاية «نجد» الموطن الأصلي لآل سعود بحسب التقسيم «الداعشي». وبهذا الإطار يكون مسجد الإمام الصادق ثالث المساجد «الشيعية» التي يستهدفها «داعش» في دول الخليج العربي. وتنفي «داعش» عن المسجد صفته، بل هو ـ بحسب بيانها المنشور ـ «وكر خبيث معروف بحربه للتوحيد وأهله، ونشر الشرك ونصرة حزب الشيطان (حزب الله اللبناني)».
اللغة الصحراوية التي تتخذها «داعش» للتعبير عن معتقداتها، عكسها الجمهور «المجيّش» بأقسى أنواع الشماتة وغلاظة القلب. فبعد انتشار صور الشهداء داخل المسجد، وتكفينهم، أعاد «الدواعش الافتراضيون» نشر الصورة وإرفاقها بأشد العبارات غلظة، منها: «تم تعليب الفطائس بعد أن هس فيهم أسد منفرد». آخرون رأوا في أعمال «داعش» انتصاراً لـ«أهل السنة»، وشماتةً بالذين يُستهدفون، إذ كتب أحدهم أن ما حصل بـ«حفل الشواء.. سيدوم».
وبحسب التغريدات والمباركات «الداعشية»، فإن معظم «الدواعش» تعاملوا مع الحدث وكأنه ردّ على «الممارسات ضد أهل السنة»، وقد توقع أحدهم اتساع رقعة الاستهداف لتصل إلى أكثر من بلد أو مدينة عربية. ونشر أحد «الدواعش» تغريدة قال فيها: «لا يتفاجأ أحد بضرب الشيعة في الكويت أو الخبر أو المنامة أو عمان أو أبو ظبي، هؤلاء يقتلوننا بأموالهم في العراق وسيتم الاقتصاص منهم بعقر دارهم».
«شيّ اللحوم، المعابد الشركية»، وغيرها من الألفاظ التي استخدمت من «المجاهدين الافتراضيين» في دولة البغدادي، تناقلوا مقولة أن «دولة الإسلام تستطيع أن تضرب في أقوى دولة بالعالم». ولم تحظَ تونس، وفرنسا، بنفس الشماتة، إذ إن المستهدف ليس «رافضياً». «الخلافة» تضرب بيد من حديد، فـ«مصنع في فرنسا، وفندق في تونس، وحسينية في الكويت، وملاحم في كوباني، وتوغل لعمق الحسكة» فورة انتظرها «الدواعش» منذ كسر شوكتهم على أيدي «الحشد الشعبي» في العراق، باعتراف العدناني منذ يومين، وإنذار افتراضييهم بأن الأيام القادمة «عواصف كثيرة» بحسب تعبير أحدهم.
«الذئاب المنفردة» هكذا سمّى الدواعش مجرميهم. فـ«هزبر الهزابر الانغماسي الذي دكّ أوكار الفسق والرذيلة في فندق سوسة»، و«المجاهد رافع علم الدولة الإسلامية مقتحم شركة الغاز»، أعاد للدواعش الحياة على الشبكة الافتراضية بعد «صمت افتراضي» كسره الفيلم القصير الصادر عن ولاية نينوى بعنوان «وإن عدتم عدنا».
وفي المقلب الآخر، توشّحت حسابات المتعاطفين مع شهداء المسجد بعبارات التعازي، والنقمة على "داعش" وأفعالها. إلا أن اللافت في استنكار العملية جاء على حساب أبو محمد المقدسي، الأب الروحي لأبو مصعب الزرقاوي مؤسس «داعش». وغرّد المقدسي أن «شباب الجزيرة عُبئوا بفتاوى سياسية تكفر الروافض، وداعش تستثمر هذه التعبئة بتفجيرهم بالحسينيات». واتهم المقدسي بنحو غير مباشر آل سعود بالاشتراك مع «داعش» في الإجرام، معتبراً أن «من سيّس الفتوى شريك داعش بذلك»، مستكملاً هجومه المعتاد على البغدادي، واصفاً إياه بـ«شر الرعاء، ولا شفقة له» مشيراً إلى أن هم البغدادي هو «المكاسب الإعلامية على دمائهم (الانتحاريين)، ولا تهمه سمعة الجهاد ولا تهمه مساجد السنّة ومن فيها».