منذ ليل السبت، يتابع العالم العربي فصلاً جديداً من الصراعات الخليجية ــ الخليجية. فبعد ساعات قليلة من استضافة الملك سلمان وليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في جدة، في اجتماع شدد على أنّ الدولتين «تقفان معاً في خندق واحد»، انشغلت وسائل الإعلام بـ«التسريبات الإماراتية» التي قيل إنه جرى وضع اليد عليها بعد قرصنة واختراق حساب سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة.
لم يُعرف تاريخ الاختراق ولا هوية «المخترقين» الذين وزّعوا الوثائق، أولاً على موقع «ديلي بيست»، ومن ثم على موقع «انترسبت» الأميركيين، فالمواقع التي تدعمها قطر. لكنّ جلبة كبيرة ضجّت بها وسائل الإعلام، إلى درجة أنه لم يعد ممكناً التمييز بين الأخبار الخارجة من هذه الوثائق والأخبار التي تجري إضافتها (عملياً، وحتى مساء أمس، هناك 23 صفحة جرى التأكد من أنّه جرى توزيعها من قبل الجهة التي اخترقت حساب العتيبة). وبصرف النظر عن هذا النقاش، فإنّ هذه المراسلات التي جرى تضخيم محتواها، إذ إنّ الجميع بات يعرف عن الأدوار الإماراتية عربياً ودولياً، تُعرّي الدول الخليجية كافة. ورغم أنها تظهر قطر كضحية للتآمر الإماراتي، تكشف كيف أن تلك الدول تتسابق لكسب ودّ الأميركيين... وأنّ لكل منها «لوبي» وشخصيات تدعمها لتبييض صفحتها عند سيّد البيت الأبيض ودوائر قراره. وربما وصول ترامب إلى الرئاسة سعّر الصراعات الخليجية البينية، وبالتالي صراعاتهم في قلب واشنطن. ويبدو أنّ هذا الرئيس الجديد لا يريد ضبط تلك الخلافات، بل هو كمن يقول: دعهم يتصارعوا، وسنرى

يمكن اعتبار ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نجم الرسائل المسرّبة من البريد الالكتروني للسفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة. فعلى الرغم من أنّ الجميع ذهب باتجاه التركيز على الدور الإماراتي في الولايات المتحدة الساعي إلى «تشويه صورة قطر وحلفاء الأميركيين»، فإنّ رسائل يوسف العتيبة تؤكد أنّ الإماراتيين يسوّقون لبن سلمان في واشنطن، ليكون حاكم السعودية المقبل.
في رسالة إلى الصحافي الأميركي المعروف ديفيد إيغناتيوس، مؤرخة في 21 نيسان الماضي، يستعيد العتيبة مقالة لإيغناتيوس تتحدث عن صعود الأمير محمد بن سلمان، يشكره فيها على وقته الذي قضاه مع ولي ولي العهد السعودي. وقد رأى بعض المعلقين أنّ هذه الرسالة تشير إلى احتمال أنّ العتيبة نفسه رتّب اللقاء بين الرجلين. ويتوجه السفير الإماراتي إلى الصحافي والكاتب في «واشنطن بوست» بالقول: «يبدو أنك بدأت تفهم تطلعاتنا في السنتين الأخيرتين»، مشيراً إلى أنّ ما يريده الإماراتيون هو «التغيير؛ تغيير في الأسلوب، تغيير في المنهج، تغيير في الطريقة». ويقول «أعتقد أننا نتفق جميعاًَ على ضرورة التغيير في السعودية. وأنا مرتاح الآن لأنك بدأت توافقنا الرؤية. صوتك ومصداقيتك عاملان أساسيان للإقناع». وفي جملة شديدة الوضوح، يختم بالقول: «عملنا الآن أن نقوم بكل ما في وسعنا للتأكد من أنّ محمد بن سلمان سيخلف والده».
ورغم أهمية كلام العتيبة، فلعلّ أهمية هذه الرسالة (التي أُرسلت نسخة مخفاة منها إلى وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد)، تنحصر في أنها تنقل عن مسؤول إماراتي رفيع تأكيده أنّ ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد يريد لبن سلمان أن يخلف الملك الحالي بدلاً من ولي العهد محمد بن نايف؛ فهدف بن زايد معروف وكُتب عنه سابقاً، لكن من المهم الإشارة إلى أنّ تأكيده عبر العتيبة قد يؤشر إلى حقيقة تراجع صلابة الحكم السعودي، إلى درجة أنّ دولة خليجية كان حضورها متواضعاً قبل أعوام، بات بإمكانها لعب دور عند الأميركيين في سياق الترتيبات المقبلة للحكم السعودي.
وفي ما يتعلق بإيران، وردت في التسريبات رسالة إلكترونية من الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات»، مارك دوبفيتز، موجهة إلى العتيبة، وحملت عنوان: «قائمة مستهدفة للشركات التي تستثمر في إيران والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية». ومن المعروف أن «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات» هي مركز أبحاث مقرّب من المحافظين الجدد، ومعروفة بعلاقتها الوطيدة بإسرائيل، ويموّلها الملياردير الإسرائيلي شيلدون أديلسون، أحد حلفاء بنيامين نتنياهو. والرسالة المذكورة موجّهة أيضاً إلى المستشار البارز في «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات» جون هانّا، الذي تولى سابقاً منصب نائب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأسبق ديك تشيني.
وكتب دوبفيتز: «عزيزي السفير، المذكرة المرفقة تُفصّل الشركات التي تتعامل مع إيران، وهي مصنّفة بحسب الدولة، (وتتضمن تلك) التي تدير أيضاً أعمالاً مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. هذه قائمة مستهدفة حتّى تحدّد تلك الشركات خيارها، كما ناقشنا». وتتضمن المذكرة المرفقة قائمة طويلة من كبريات الشركات الدولية، وبعضها يعمل في السعودية أو الإمارات، ويطمح إلى الاستثمار في إيران. ومن بين الشركات الوارد ذكرها في الرسالة الالكترونية كيانات اقتصادية عالمية، بما في ذلك شركة «إيرباص» الفرنسية و«لوكويل» النفطية الروسية.

في القضية الفلسطينية، فإنّ المسألة تتقلص في التسريبات إلى درجة أنّ كل ما يُنشر هو رسالة حول مؤتمر حركة «حماس» الذي انعقد في العاصمة القطرية الدوحة بداية أيار الماضي، للإعلان عن وثيقة الحركة الجديدة، وفي هذه الرسالة نقطة مهمة: يشتكي كبير مستشاري مؤسسة «الدفاع عن الديمقراطيات»، جون هانا، للعتيبة من أن قطر تستضيف اجتماعاً لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» في فندق يملكه الإماراتيون. يردّ العتيبة: «إنه ليس خطأ الحكومة الإماراتية، وإن القضية الحقيقية هي القاعدة العسكرية الأميركية في قطر»، وهو بذلك ينقل الحديث، بكثير من الدبلوماسية، إلى تلك القاعدة التي من المعروف اليوم أنّ الإمارات تريد نقلها إلى أراضيها، ما فتح على أزمة مع قطر. وهنا، يضيف السفير الإماراتي مازحاً: «انقلوا القاعدة ثم سننقل نحن الفندق». (يردّ هانا قائلاً: لا تقم بنقل الفندق بالطبع... لكن أجبر حماس على تغيير المكان... ذكّر الناس بأنهم إخوان مسلمون ومنظمة إرهابية أميركياً).
مسألة إضافية تدخل في مجال القضية الفلسطينية، وهي لقاء يطلبه جون هانا مع القيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان، في أبو ظبي. ومعروف أيضاً عن دحلان علاقاته القوية جداً بالإماراتيين، وهذا لم يعد سراً منذ أشهر طويلة.
في تسريبات أخرى، يظهر دور لعبه العتيبة لدعم ما جرى في مصر في بداية صيف 2013. فوفق مقال لـ«هافينغتون بوست» عن العتيبة، قيل إن الأخير ضغط على البيت الأبيض أثناء «ثورة يناير» في مصر لدعم حسني مبارك. وبعد وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، هاجم العتيبة «بشدة» الجماعة «وداعميهم في قطر»، وذلك في رسائل إلى مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط فيل جوردن.

تقتصر التسريبات على بعض الأسماء الأميركية غير الرسمية وهي مجتزأة

وفي بداية تموز 2013، يضغط العتيبة، في رسالة موجهة إلى المسؤولَين السابقَين في إدارة بوش، ستيفين هادلي وجوشوا بولتن (4 تموز 2013)، لتبنّي وجهة نظره حيال مصر و«الربيع العربي». ويقول السفير الإماراتي: «كما تعلمون، مصر بالنسبة لي موضوع شخصي وعاطفي أكثر من كونه سياسياً... من الواضح أنّ السياسة الاميركية قائمة على عدم الميل لأي طرف في سوريا، ومصر وليبيا وتركيا، ولكن أعتقد أن هذه الاستراتيجية لم تعد مناسبة الآن بعد التطورات الاخيرة... الشرق الأوسط يتفتّت الآن، حتى وصل إلى صراع سنّي ــ شيعي وصراع معتدل (علماني) ــ أصولي». وحول عزل محمد مرسي، يقول: «إنّ الوضع اليوم في مصر يمثل ثورة ثانية، هناك أناس في الشوارع أكثر من الذين خرجوا في 2011. هذا ليس انقلاباً، هذه ثورة. الانقلاب يكون حينما يفرض الجيش إرادته على الناس بالقوة، بينما اليوم يستجيب الجيش لرغبات الناس». وهذه مواقف معروفة أيضاً عن الإماراتيين، وحتى في ما هو أبعد منها، يبدو السفير الإماراتي غير مضطر إلى أن يُسرّب عنه قوله في إحدى الرسائل: «دول مثل الأردن والإمارات هي آخر الواقفين في معسكر الاعتدال، الربيع العربي زاد من التطرف على حساب الاعتدال والتسامح».
وعلى صعيد العلاقات الخليجية، جدير بالذكر أنّ موقع «انترسبت» الأميركي نشر رسالة تظهر فيها مقالة تتحدث عن أنّ أشخاصاً في الكويت «يعملون على تمويل الإرهاب».

«تشويه» سمعة قطر

صحيح أنّ مجمل هذه المراسلات توضح أنّ العتيبة يدير «لوبي» إماراتياً في واشنطن، لكنها من جهة أخرى لا تضيء على حجمه، بل يقتصر الأمر على بعض الأسماء. ومن الأدوار التي يظهر أنّ العتيبة يقوم بها، هي «التوجيه والتحريض» ضد قطر. وتُظهر إحدى الرسائل أنه فعل ذلك مع وزير الدفاع الأسبق في إدارة باراك أوباما، روبرت غايتس، الذي يشغل حالياً منصب مدير شركة استشارية نافذة في واشنطن تسمى «رايس هادلي غيتس». فقبيل مشاركة غايتس في مؤتمر، هناك رسالة (تبدو مجتزأة ــ تاريخ 22 أيار الماضي)، يُفهم من إجابة غايتس عليها أنّ العتيبة دعاه إلى انتقاد قطر، ويقول في نهايتها: «إنّ محمد بن زايد يوجه إليك أطيب سلاماته من أبو ظبي، ويقول لك: أرهم الجحيم غداً»... وهذا ما فعله غايتس! وفي رسالة سابقة (8 أيار الماضي)، قال جون هانا ليوسف العتيبة: «أودّ أن ألفت انتباهك للمؤتمر في فندق فيرمونت (23). سنقوم بسبر علاقة قطر بالإخوان المسلمين. يشرّفنا حضورك الى جانب محللين آخرين من السفارة، كما أرجو أن تنشر الخبر لمن يشاركنا هذا التوجه».
(الأخبار)




«الإخوان»: قادة الإمارات فاسدون

لم تقف جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر على الحياد في المعركة الدائرة بين الدول الخليجية، إذ شنّت هجوماً حاداً على دولة الإمارات، واصفة قادتها بأنهم «فاسدون». وصدر بيان عن «المكتب العام لجماعة الإخوان في مصر»، شارحاً، ضمن اصطفافٍ معتادٍ مع قطر، أن قادة الإمارات «يُريدون أن يقضوا على أحلام شباب أمتنا، ويجعلوها في ذيل الأُمم واقفين على أعتاب أعدائها».
وأضاف البيان: «تُدين جماعة الإخوان التدخلَ السافرَ الذي دأبت عليه إدارة دولة الإمارات، ومحمد بن زايد (ولي عهد أبو ظبي)، في شؤون عدد من الدول العربية، وقيامهم بالاتحاد والتنسيق مع اللوبي الصهيوني في إشاعة الفوضى والقتل والانقلابات». وتابع: «الوثائق المُسرّبة... (تؤكد) بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمة العربية إزاء دولة خارجة عن العروبة والقِيَم الأصيلة، دولة لم تعد تعرف العيش سوى بالتآمر والخيانة والدم».
(الأخبار)




مقرّب من ابن سلمان: نفخر بأحاديث «السفير»

نقلت وسائل إعلام عن سعود القحطاني، وهو مستشار في الديوان الملكي السعودي، قوله إن «كل ما ينشر من تسريبات مزعومة لوثائق مسروقة من إيميل سفير الإمارات يوسف العتيبة يمثلني وهو محل فخر لكل مواطن سعودي وإماراتي». ونسب إلى القحطاني تأكيده أن الوثائق المسرّبة تدل على أن «سفير الإمارات الشقيقة هو سفير السعودية ويدعم مصالحها وتوجهاتها ويقف ضد الحملات الشرسة عليها»، مضيفاً: «دائماً يثبت أبناء الشيخ زايد أن من مسلمات السياسة الإماراتية المصير المشترك مع إخوانهم بالسعودية». وينسب إلى القحطاني، الذي تم تعيينه في الديوان بقرار من الملك سلمان، أنه يدير الحملات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي لحساب ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأنه يقود الهجمة الجارية ضد قطر.
(الأخبار)




يوسف العتيبة: دبلوماسي يثير إعجاب الأميركيين

«الرجل الأكثر سحراً في واشنطن». بهذه العبارة، وصفت إحدى الصحف الأميركية قبل عامين يوسف العتيبة، من ضمن تقارير عدّة، تناولت مسيرته في الولايات المتحدة، بعدما تحوّل إلى «نجم دبلوماسي» في أروقة صناع القرار فيها، كما في إعلامها.
الدبلوماسي الأربعيني، الذي جاء إلى الولايات المتحدة في عام 2008، بصفته سفيراً لدولة الإمارات، اقتحم مشهد الدبلوماسية مستنداً إلى خبرة عملية نوعية، اكتسبها بفعل توليه منصب مدير الشؤون الدولية في ديوان ولي عهد أبو ظبي.
يوسف العتيبة من مواليد 19 يناير/ كانون الثاني عام 1974، ولقبه يعود إلى والده مانع سعيد العتيبة، أول وزير نفط إماراتي. درس في الجامعة الأميركية في القاهرة، ثم في جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة، حيث حصل على شهادة عليا في العلاقات الدولية. وبحكم دراسته «الأميركية»، واقترابه من مركز صنع القرار في أبو ظبي، تمكن الدبلوماسي الشاب من فهم كل مفاصل العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة، ليس على المستوى الثنائي فحسب، بل على صعيد كل ما يرتبط بالتقاطعات الإقليمية، حتى إن دبلوماسياً سابقاً في البيت الأبيض تحدث عنه قائلاً: «لديه دهاء لا يصدق، ويجيد ممارسة اللعبة السياسية التي تدور في واشنطن». علاوة على ذلك، وصفه الدبلوماسي السابق بكونه «محور نشاط اجتماعي لا يتوقف»، إذ هو معروف جداً بإقامة حفلات العشاء الفخمة، واستضافة شخصيات نافذة في رحلات باهظة. وأشار إلى أنه في العديد من حفلات الميلاد، أرسل «أجهزة لابتوب» كهداية للصحافيين.
وفي غضون بضع سنوات من عمله في الولايات المتحدة، اكتسب العتيبة تأثيراً غير عادي، وغالباً ما يمكن رصده يتناول الطعام مع ممثلي وسائل الإعلام والكونغرس والإدارة الأميركية.
عزز العتيبة رصيده في الأوساط السياسية الأميركية بعد الجلبة الدولية المرافقة لبروز تنظيم «داعش»، وتحديداً في شهر أيلول عام 2014، خلال اجتماع مغلق استضافه البنتاغون لمناقشة الاستراتيجية المناسبة للتحرك ضد التنظيم المتشدد، وذلك بحضور مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي، ووزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، والسفير السابق لدى العراق رايان كروكر. وخلال هذا الاجتماع، اقترح العتيبة تدخلاً عسكرياً ضد الجماعات المتشددة، والنظام السوري على حد سواء.
وعلى هامش القمة الأميركية ــ الخليجية التي استضافها الرئيس السابق باراك أوباما، بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، شدد العتيبة على ضرورة حصول الخليجيين على ضمانات أمنية خطية من الولايات المتحدة.
وغالباً ما تتحدث وسائل الإعلام الأميركية عن تقارب بين العتيبة والسفير الإسرائيلي رون درمر، حتى إن صحيفة «هافنغتون بوست» نقلت عن مسؤول أميركي قوله إن «آراء السفير الإسرائيلي والسفير الإماراتي متفقة تماماً في كل القضايا، وخصوصاً لجهة العداء لإيران ومحاربة الإسلام السياسي».