«علينا أن نوحّد القدس، لكن بالأفعال لا بالأقوال»، هكذا صوّر وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينت، وجه المدينة المحتلة بعد أعوامٍ من الآن. لكنه لم يقصد توحيدها جغرافياً. فصحيح أنه يحلم بذلك، ويعمل على قطع كل الطرق أمام أي حل قد يشترط «التنازل» عن ذرة تراب منها، لكنه هذه المرة تحديداً يريد توحيدها «أيديولوجياً».
أمّا السؤال عن كيفية ذلك، فيجيب عنه تصديق الحكومة الإسرائيلية على خطة خمسية تقضي بتوسيع استخدام مناهج التعليم الإسرائيلية داخل المدارس الفلسطينية في القدس، وذلك بزيادة عديد صفوف الأول الابتدائي الملزمة استخدام المنهاج الإسرائيلي، مع زيادة عديد الطلبة المستحقين الحصول على شهادة «البغروت» الإسرائيلية (توازي شهادة الترمينال، أو التوجيهي الفلسطينية).
ووفق ما ذكرته صحيفة «هآرتس» العبرية، أمس، فإن الخطة التي بادر إلى طرحها كل من بينت، ووزير شؤون القدس، زئيف إلكين، «ستمنح المدارس الفلسطينية في القدس محفزات مالية مقابل تطبيق الأخيرة المناهج الإسرائيلية، في حين أن المدارس (الفلسطينية) التي تطبق هذا المنهاج من الأساس لن تحصل على محفزات مالية، أو أي زيادة على ميزانيتها». إذ تعتزم الحكومة الإسرائيلية تشكيل طاقم عمل خاص، مهمته تطبيق الخطة عملاً بالمنهاج الإسرائيلي، والبحث على مدى شهر كامل في سبل ومصادر تمويلها.

الهدف المدعى «تعزيز اندماج المقدسيين في المجتمع الإسرائيلي»

وبرغم أن الصحيفة لم تتطرق إلى مضامين المنهاج الجديد الذي سيشمل مواضيع المدنيات والتربية الوطنية وفق الرؤية الإسرائيلية، عممت وزارة التربية بياناً أول من أمس، ادعت فيه أن هدف الخطة هو «تحسين جودة حياة سكان الأحياء العربية في القدس، وذلك بتعزيز قدرتهم على الاندماج والانخراط داخل المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين»، لافتةً إلى أن ذلك من شأنه أن «يحصن المناعة القومية للعاصمة كلها».
في هذا الإطار، أوضحت «هآرتس» أن الخطة تنص على «زيادة عدد صفوف الأول التي ستدرس المنهاج الإسرائيلي في المدارس الابتدائية في القدس، مع التركيز على علوم الرياضيات واللغة الإنكليزية، ليصل عددها إلى مئة صف»، إضافة إلى «رفع نسبة الطلبة من متخرجي المدارس الفلسطينية المستحقين شهادة البغروت من 12% حتى 26%». أمّا الطلبة متخرجو المعاهد التكنولوجية، فيفترض أن ترتفع نسبتهم من 11% إلى 26%، بحسب الخطة. كذلك تدعي وزارة التعليم الإسرائيلية أن الخطة «تسعى إلى خفض نسبة التلامذة المتسربين من المدارس الثانوية من 28% إلى 25,5%».
بينت عبّر عن هدف خطته بالقول إن «توحيد القدس يجب أن يكون بالأفعال لا بالأقوال. إذ إن تكريس التعليم بموجب المنهاج الإسرائيلي وتعميقه، من شأنه أن يقوي جهاز التعليم شرقي المدينة». أما إلكين، فرأى أنه «يجب أن تكون هناك سيادة متساوية، وقدرة على الحكم بمسؤولية... والتعبير عن السيادة يكون أيضاً في التدريس والتعليم».
ووفق مصدر رفيع في وزارة التعليم، فإن المدارس التي ستطبق خطة المنهاج الجديد «ستحصل على تمويل لزيادة حصص التدريس، وتوسيع برامج التعليم، وتحسين البنية التحتية في المدراس، إضافة إلى ميزانيتها الأصلية». وكانت الوزارة قد بدأت تروّج لخطتها منذ أكثر من عام، مشترطة على المدارس الفلسطينية في القدس تطبيق المنهاج الإسرائيلي مقابل تحسين بنيتها التحتية وتمويلها بقيمة 20 مليون شيقل، ما دفع مركز «عدالة» الحقوقي آنذاك إلى الاعتراض على هذا الشرط لغياب قانونيته.
ووفق الرسالة التي وجهها «عدالة» إلى إلكين، والمستشار القضائي للحكومة الاسرئيلية، أفيخاي منديبلديت، فإن التشريعات القانونية «تمنع تخصيص الميزانية بشكلٍ غير متساوٍ وتمييزي بين المؤسسات الممولة من الوزارات ومن السلطات المحلية». ولذلك، إن «فرض هذا الشرط على المدارس العربية دون غيرها يؤدي إلى تمويل غير متساوٍ بين المدارس، ويمس الحق الدستوري للمساواة، الذي يصل حدّ التمييز المرفوض على خلفية قومية، إذ إن المدارس العربية هي وحدها التي ستتضرر نتيجة تطبيق هذا القرار».
بالإضافة إلى ذلك، لا تملك وزارة شؤون القدس الإسرائيلية الصلاحية لاتخاذ قرار كهذا. إذ إن «قرار اشتراط التمويل غير قانوني لكونه خارج صلاحية الوزارة، وليس من صلاحيتها أيضاً أن تتدخل في مضامين مناهج التعليم في المدارس»، تضيف رسالة المركز الحقوقي.
بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، قالت عضو «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير» حنان عشراوي، لـ«هآرتس»، إن «هذه الخطة تهدف إلى جعل القدس كيافا أو عكا... أدخل الإسرائيليون جهاز التعليم في أزمة، والآن هم يبتزون المدارس (عبر اشتراط الميزانية)، علماً أن إسرائيل هي قوة محتلة في القدس ويحظر عليها التدخل في مضامين التدريس». وأضافت عشراوي أن «الخطة تثير غضب الجانب الفلسطيني لكونها تحاول أسرلة الأحياء الفلسطينية في القدس».