اعتادت إسرائيل التحفظ إزاء أيّ صفقة أسلحة متطورة تقرّر الولايات المتحدة تزويد أحد حلفائها الاقليميين بها. وهدفت من وراء ذلك إلى تحقيق أمرين في آن واحد؛ الأول الحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي إزاء دول المنطقة، بما فيها الانظمة التي تدور في فلك السياسة الأميركية. والثاني أن إسرائيل تحاول ابتزاز البيت الأبيض، عبر اللوبي الإسرائيلي، من أجل الحصول على مزيد من الأسلحة المتطورة من الولايات المتحدة.
مع ذلك، بادر ديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إملاء الموقف السياسي الرسمي، بعدم التسبب في أي توتر مع الإدارة الأميركية في موضوع صفقة الأسلحة السعودية ــ الأميركية... وتلقى في أعقابها، بعد زيارة ترامب، كما أعلن نتنياهو بنفسه، ضمانة أميركية بالحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل. وتلى هذا التوجيه الصادر عن ديوان رئيس الوزراء موقف السفير الاسرائيلي في واشنطن، رون دريمر، في الكونغرس بأن إسرائيل «لا تشعر بالقلق» إزاء الصفقة الأميركية ــ السعودية.

السعودية تراجعت عن شرط الدولة الفلسطينية للتطبيع العلني مع إسرائيل
وعلى خلفية هذا الموقف، تلقى أعضاء الكونغرس الضوء الأخضر من إسرائيل للسماح للإدارة بتنفيذ الصفقة من دون أن تضطر إلى مواجهة التحفظ والاعتراض من قبل إسرائيل وأصدقائها في الكونغرس. وعلى خط موازٍ، بادر نتنياهو إلى كبح الأجهزة الأمنية عن إبداء آرائها المهنية في كل ما يتعلق بصفقات الأسلحة الأميركية ــ السعودية، بدءاً من سلاح الجو الذي عادة ما يكون أول من يعارض صفقات أسلحة كهذه، مروراً بشعبة التخطيط... وصولاً إلى الهيئة السياسية الأمنية في وزارة الأمن.
وتفادياً لأيّ شبهة يمكن توهمها في ضوء بعض التصريحات المتعارضة التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين وبعض الخبراء والمعلقين، لا يختلف جوهر القراءة الإسرائيلية ــ على مستوى التقدير والموقف ــ من صفقة الأسلحة الأميركية للسعودية، بين من اختاروا التحفظ على الصفقة، أو الآخرين الذين باركوها. فكلاهما متفقان على أن القلق لا ينبع من النظام السعودي الحالي، بل من إمكانية سقوط هذا النظام لاحقاً، وبالنتيجة إمكانية وقوع هذه الاسلحة في أيدي جهات معادية للولايات المتحدة وإسرائيل. وكلاهما يسلمان بحقيقة أنّ هذه الصفقة تلبّي أولويات السياسة الإسرائيلية، كونها تهدف إلى مواجهة إيران ومحور المقاومة الذي يشكّل تهديداً استراتيجياً للأمن القومي الإسرائيلي. لكن البعض اختار في التعبير عن موقفه تسليط الضوء على الايجابيات الكامنة في مفاعيل هذه الصفقة، وتجاوز الأبعاد التي تتصل بالمستقبل لأسباب متعددة، من ضمنها تجنبّاً للاصطدام بإدارة ترامب، فيما فضَّل البعض الآخر تسليط الضوء أيضاً على هذه المخاطر النظرية المحتملة ممن قد يلون آل سعود في الحكم، لأهداف متعددة، منها ابتزاز الإدارة لمصلحة المزيد من صفقات السلاح المتطور.
وكانت إسرائيل قد بدأت التشدد في تحفظها إزاء بعض الصفقات الأميركية لحلفائها في المنطقة، منذ ما بعد سقوط شاه إيران وما نتج من ذلك وقوع الكثير من الأسلحة الأميركية في أيدي النظام الاسلامي في طهران... ثم تعززت هذه المخاوف في ضوء الأحداث التي يشهدها العالم العربي وأدّت إلى سقوط أنظمة موالية للولايات المتحدة الأميركية.
وفيما يتعلق بالصفقة الحالية، لفت المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، إلى أنّه منذ «عهد أوباما، كما اليوم، تحدثوا في الولايات المتحدة عن الحاجة الى صفقة الطائرات مع السعودية كجزء من محاربة الهلال الشيعي الذي يمتد من إيران حتى لبنان. وفي عهد أوباما، أيضاً، ضغطت الصناعات الأمنية الأميركية من أجل تنفيذ هذه الصفقة. ولكن منذ أن جرى انتخاب ترامب، انقلب كل شيء. نتنياهو يحتاج إلى ملاطفة ترامب لرأسه». ولكنه أضاف أيضاً أن «الإدارة الأميركية لا تصنع معروفاً مع إسرائيل عندما تحافظ على الفجوة النوعية للجيش الإسرائيلي مقابل الجيران. فبين إسرائيل والولايات المتحدة هناك اتفاق رسمي بهذا الشأن، QME، الذي يرسّخه القانون الأميركي، ولا مثيل له في علاقات الولايات المتحدة مع أيّ دولة أخرى في العالم. وحسب ذلك القانون، تلتزم الولايات المتحدة بتقديم تقرير الى لجنة في الكونغرس، مرة كل فترة معينة، حول ميزان القوى في الشرق الاوسط، وشرح كيف يتم الحفاظ على تفوّق إسرائيل النوعي. وهذا التقرير سرّي، وردّ الكونغرس سرّي أيضاً، بحيث لا يفترض أن تعرف إسرائيل ما كتب فيه. ومع ذلك، فإن البنتاغون والكونغرس لا يلعبان بالمعطيات ولا يحرّفانها، انطلاقاً من إدراكهما أن الاستخبارات الإسرائيلية تعرف كيف تتعقب ميزان القوى في الشرق الأوسط بشكل لا يقل عن الاستخبارات الأميركية».
وبموجب هذا القانون، يوضح فيشمان أنه «في كل مرة تفكر فيها الإدارة الأميركية في التوقيع على صفقة أمنية مع دولة في الشرق الأوسط، غير إسرائيل، يجب عليها فحص آثاره على الفجوة النوعية لصالح إسرائيل». ولا تقتصر دراسة الفجوة النوعية على الدولة التي تشتري السلاح، بل أيضاً الأبعاد التي يمكن أن تتركها تلك الصفقة على ميزان القوى في حال تشكيل تحالف ضد إسرائيل...».
بالنسبة إلى السعودية، رأى فيشمان أنه «من حيث النيّات، السعودية هي دولة صديقة. ومن حيث بناء القوة، من يعرف أيّ نظام سيكون هناك بعد عشر سنوات؟ القوة التي بنتها الولايات المتحدة لصالح الشاه الإيراني انتقلت الى آية الله...». ولفت أيضاً إلى أن «غالبية السلاح المتطور اليوم هي سلاح محوسب، ومشاركة البائع في ما يمكن أن يفعله الشاري حالياً يفوق بكثير ما كان في السابق، ما يعني أن اعتماد السعودية على الصيانة الأميركية لمنظومة الأسلحة يعتبر أمراً نوعياً جداً». واستناداً إلى هذه المعطيات، يضيف فيشمان أنه «في حال استبدال النظام في السعودية، لن يكون من المؤكد أن النظام الجديد سيجد ما سيفعله بالطائرات». ومع ذلك، ينقل المعلق العسكري عن أحد قادة سلاح الجو قوله «يكفي أن يصاب طيار سعودي واحد يقود طائرة F16 بالجنون... لكي يتسبّب بضرر لإسرائيل. ولذلك، فإن موافقة إسرائيل على التخلي عن حق مراقبة بيع السلاح كانت خطوة انتهازية».
وعلى المستوى السياسي، فقد تلقّت إسرائيل أيضاً ثمناً سياسياً ملائماً من السعودية، نقله اليها الرئيس ترامب. ويوضح فيشمان ذلك بالقول «لقد عرضت الولايات المتحدة على إسرائيل مقابلاً سياسياً سيقلص التهديدات الكامنة في التضخيم العسكري للدول العربية. لقد وصل ترامب إلى إسرائيل مع رسالة من 50 دولة إسلامية ــ على رأسها السعودية ــ تدعو إسرائيل إلى المشاركة الفاعلة والعلنية في التحالف الاقليمي أمام التهديد الشيعي وداعش. وأوضح ترامب لنتنياهو أن السعودية تملك مصلحة في التعاون المشترك الممأسس مع إسرائيل، على غرار التعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول غرب أوروبا. وعلى سبيل المثال، في مجال التعاون في العلوم». ويكشف فيشمان أن «السعوديين لم يعودوا يطالبون باتفاقية سلام» بين إسرائيل والسلطة للتطبيع، بل باتوا «يطلبون خطوة صغيرة، كتحويل منطقة C إلى B، كأمر أوّلي يسمح لإسرائيل بأن تكون جزءاً من الائتلاف» العربي ضد إيران ومحور المقاومة. وفي المقابل، تنوي السعودية البدء بخطوات عملية لتطبيع العلاقات، تشمل تقديم تأشيرات دخول لرجال الأعمال الإسرائيليين. الآن يجب على نتنياهو أن يقرر؛ هل يريد تقليص سباق التسلح والانضمام إلى عضوية الشرق الأوسط، الحلم الدافئ لقادة الصهيونية على مختلف أجيالها، أم يحافظ على «الائتلاف» مع بينت؟