أغلق عشرات الأهالي والمتضامنين الفلسطينيين مقر الأمم المتحدة في مدينة رام الله، يوم أمس، احتجاجاً على صمت الأخيرة على معاناة أبنائهم الأسرى، مطالبين المنظمة الدولية بعقد جلسة طارئة لمناقشة قضية الإضراب ومطالبهم الشرعية، ووضع حد للانتهاكات اليومية، والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة بتغذية أولادهم المضربين قسرياً.
أمّا منظمة «الصليب الأحمر» الدولي، فهي الثانية قد أغلقت مكاتبها في رام الله، ونقلت موظفيها إلى القدس «خوفاً» من أن يحطم الأهالي «أصنامها» الموجودة هُناك، بعدما اتُّهمت بـ«تواطئها» مع الاحتلال.
«مؤسف جداً أن نتهم بأننا متواطئون، أو أننا لا نقدم شيئاً»، ترد المتحدثة باسم «الصليب الأحمر» في فلسطين، نادية الدبسي، في اتصال مع «الأخبار»، من دون تقديم إجابة واضحة من منظمتها «المحايدة» عن سبب تأخر زيارة السجون إلى ما بعد مرور عشرة أيام على الإضراب!
الدبسي، التي خبر أهالي الأسرى تعامل منظمتها معهم وخاصةً بعد تقليص الأخيرة الزيارات للسجون من اثنتين إلى واحدة في الشهر، قالت إن «للأهالي سقف توقعات خارج مهمات الصليب الأحمر، ربما لكونهم لا يعرفون طبيعة أن عملنا يقتصر على نقل الرسائل، وهذا ما فعلناه»، منبهة إلى أن «ما يريد الناس معرفته لا يمكننا قوله علناً».

مندوبو «الصليب
الأحمر» لم يزوروا أي أسير
إلا بعد 10 أيام

ورأت أيضاً أن «مرور شهر على الإضراب يدخل الأهالي في حالة من الضغط والتوتر والخوف... نتفهم ذلك، لكننا أغلقنا مكتبنا في رام الله حتى إشعار آخر»، مشيرةً إلى أن نقل الموظفين إلى مدينة القدس المحتلة كان بسبب «دخول أهالٍ وناشطين إلى مقر المنظمة في رام الله وتهديد الموظفين بطريقة عنيفة، رغم أننا نقلنا أكثر من 1400 رسالة من الأسرى».
لكن، هل فعلاً ما ينشده أهالي الأسرى خارج مهمات «الصليب الأحمر»؟ تجيب القانونية أماني إبراهيم عن سؤال «الأخبار» بالقول، إن «هذه المنظمة الدولية هي المؤسسة الإنسانية الأساسية التي تلقى عليها المهمات المرتبطة بالمعتقلين والأسرى الأمنيين في فلسطين المحتلة، وتتمحور في متابعة ظروف اعتقالهم وخاصة أنهم محتجزون بعيداً عن مكان سكنهم».
وتلفت إبراهيم إلى أن على المنظمة «التكفل بتنسيق زيارات الأهالي الذين يحتاج معظمهم إلى تصاريح دخول إلى المناطق المحتلة، كما تلقى على عاتقها مسؤولية متابعة الممارسات التي تقوم بها سلطات السجون بحق الأسرى، وهي المسؤولة عن حياتهم، وضمان عدم المساس بكرامتهم أو سلامتهم الصحية وكل أوضاعهم وظروف اعتقالهم».
وبرغم أن الدبسي قالت إن «المنظمة طالبت إسرائيل بتسهيل الزيارات للأهالي»، لفتت المحامية إبراهيم المتخصصة في الدفاع عن الأسرى، إلى أن «الصليب الأحمر لم يقم بدوره لمدة عانى فيها الأسرى نقص الزيارات والمتابعة من المنظمة، حتى تذرعت الأخيرة بأن العدد الهائل للأسرى في سجون الاحتلال، إضافة إلى شح مصادرها المالية، من الأسباب في تقليصها الزيارات من اثنتين إلى واحدة».
إبراهيم أوضحت أن المطلوب من «الصليب الأحمر» أن «تلعب دور الوسيط بين الأسرى ومصلحة السجون، وأن تحصّل حقوقهم المكفولة بالقانون الدولي والمواثيق الإنسانية»، لافتةً إلى أنه خلال الإضراب عن الطعام تزداد أهمية دور المنظمة الدولية، لكن الأخيرة «بدلاً من أن تحرص على منع انتهاك حقوق الأسرى، فضلت أن تزور بعضهم بصورة محدودة ومن وراء الشباك». وأضافت: كان هذا بعدما تخلفت أساساً خلال الأيام العشرة الأولى للإضراب... ثم اتصلت بالأهالي لتهديهم السلام من أبنائهم بدلاً من أن تخبرهم عن حالتهم الصحية ووضعهم الاعتقالي».
وتابعت أن الحقوقيين يرون أن «الصليب الأحمر لا تقوم بدورها كمؤسسة إنسانية فقط، وإنما هي، وبإهمالها الأسرى وغض النظر عن تنكيل سلطات السجون بحقهم، مثل الاقتحامات والتفتيش والضرب وإلقاء الغاز المسيل للدموع ــ ممارسات تصل إلى وصفها بجرائم حرب ــ نجدها لا تحرك ساكناً».
إغلاق مقر «الصليب الأحمر» لم يكن نتيجة «تهديدات» الأهالي الغاضبين فقط، إذ سبق ذلك إلقاء مجهولين قنابل وإطلاق نار على عدد من مكاتبه المنتشرة في الضفة المحتلة. وفي هذا الإطار، تلفت زوجة الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» أحمد سعدات، عبلة، إلى أن مسيرتهم مع الصليب الأحمر «طويلة ومريرة»، إذ إن الأخيرة لم تقم بدورها «كمنظمة دولية إنسانية محايدة»، مذكرةً بتقليص الزيارات.
وأشارت سعدات إلى أن «نصف أهالي الأسرى ممنوعون من زيارة أبنائهم، وبما أن "الصليب الأحمر" المخولة تنسيق الزيارات وترتيبها، كانت ترد علينا في كل مرّة أن هناك منعاً أمنياً على هؤلاء... هنا لا بد من أن نسأل ما وظيفة هذا الجسم وحاجته إذا لم يستطع أن يؤمن أبسط الحقوق التي يكفلها القانون الدولي».
ونفت سعدات التقارير التي تحدثت عن زيارة مندوب «الصليب الأحمر» إلى سجن عسقلان واجتماعه مع زوجها، موضحة أن «مندوب الصليب الأحمر اشترط على سعدات مقابلته من وراء القضبان، وكأن الأسرى وحوش! ولذلك زوجي رفض مقابلته، وهذا ما أبلغتنا إياه محاميته»، مشيرة إلى أنها لا تعرف شيئاً عن وضعه الصحي.
ورأت أخيراً أن هذه الدلائل تجعل «الصليب الأحمر منظمة منحازة إلى إسرائيل»، مطالبة في الوقت نفسه إياها «بالضغط على الاحتلال عبر إيصال رسائلها إلى مقارها في العالم، وكشفها وفضحها الممارسات المجرمة بحق الأسرى».