«أفتخر بأن أنقل لكم هذا الإعلان التاريخي والعظيم؛ وهو أن أول زيارة خارجية لي، بصفتي رئيساً للولايات المتحدة، ستكون للسعودية. وبعدها إسرائيل، ثم إلى مكان يحبّه الكرادلة كثيراً: روما (الفاتيكان)... هذه الزيارات ستحدث قبل اجتماعات حلف الناتو ومجموعة السبع. وستبدأ باجتماع تاريخي في السعودية مع قادة من كل أنحاء العالم الإسلامي... هناك، سنبدأ تأسيس قواعد جديدة للتعاون والدعم مع حلفائنا المسلمين». هذا ما قاله دونالد ترامب في حديقة الورود داخل البيت الأبيض عن وجهته الخارجية الأولى.
فهو لن يضطر إلى تنفيذ تهديداته التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية حول زيارة السعودية (كان ترامب قد هدّد برفض الهبوط من الطائرة إذا اعتذر الملك السعودي عن لقائه).
من المؤكد أن سلمان سيكون حاضراً لاستقبال الرجل. ليس الملك السعودي وحده، بل أكثر من 50 زعيماً عربياً ومسلماً «سيحجّون» إلى حيث سيكون بانتظارهم «المخلص» الآتي «لتوفير مستقبل أكثر أملاً وعدلاً للمسلمين الشباب»، وفق ترامب.

تكريس الوكالة السعودية

حدّد ترامب عنواناً واضحاً لزيارته: مخاطبة العالم الإسلامي من «بلاد الحرمين». عنوان يحمل جملة دلالات، أولاها تمايز جلي عن السلف، باراك أوباما، إذ اختار الأخير مخاطبة العالمين العربي والإسلامي من على منبر جامعة الأزهر في القاهرة. الأمر الآخر أن هذا الخيار يشتمل على ازدراء حلفاء آخرين للولايات المتحدة من دول ترى نفسها محورية، كمصر وتركيا. وبذلك، يسمح ترامب لنفسه بإعطاء السعودية دور المركز في العالم الإسلامي، وتكريس هذه الصورة عندما «أفتى» قائلاً إنها «... حاضنة الموقعين الأكثر قدسية في الإسلام». لكن، لم يتضح هل من بين قادة الدول الذين سيحضرون القمة زعماء شمل دولهم حظرُ السفر الذي أقرّه، ثم تبيّن أنه وُجّهت دعوات إلى عدد منهم!

تحشيد وقرع لطبول الحرب

ثلاث قمم: أميركية ــ سعودية، أميركية ــ خليجية، وأميركية ــ عربية إسلامية، ستملأ جدول ترامب في الرياض على مدى يومين. ولا شك في أن جدول الأعمال الذي يبدأ السبت لن يقتصر على الشعارات التي أطلقها ترامب حول التعاون ومستقبل الشباب ومكافحة الإرهاب. فـ«التعاون» مع السعودية وبعض العرب، لن يحتاج، بطبيعة الحال، إلى إطار جديد لمكافحة الإرهاب في ظل وجود «التحالف الدولي» ضد داعش. أما مقررات القمم الثلاث، العلنية والمضمرة، فستكون إيرانية بامتياز، وفق مستشار الأمن القومي الأميركي، هربرت ريموند ماكماستر، ومعظم المحللين الغربيين الذين ذهب بعضهم إلى استشعار مواجهة قريبة ستكتمل عناصرها مع القمم المرتقبة في كل من السعودية وفلسطين المحتلة، فيما قلل آخرون خطورة خطوات ترامب «الابتزازية».

ليس في حسابات
«رجل الصفقات» سوى الأرباح بأقل تبعات


قبلت السعودية دفع الأثمان عشية القمة. لم تعد الأرقام مهمة بعدما لامست بورصة الصفقات فئة مئات المليارات من الدولارات التي حصل الرئيس الأميركي على الوعود بتسلّمها على شكل استثمارات وصفقات تسليح تفوق موازنة السعودية لعام. ما تبقى هو انتظار مدى تجاوب ترامب مع المقابل المطلوب سعودياً، والمتمثل، إلى جانب حماية النظام، في مزيد من التدخل لمواجهة «المناوئين» في كل من اليمن وسوريا والعراق، وحزب الله، بل توسعَ طموح ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، أخيراً، ليصل إلى الضفة الشرقية للخليج، حيث إيران التي هدّد بنقل المعركة إلى أراضيها.
وسبق ابن سلمان زيارة ترامب، التي وصفها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بـ«التاريخية»، بمقابلة تضمّنت رسائل تصعيدية تعطي انطباعاً حول وجهة القمة، وتتساير مع مسار التحشيد العسكري في الجنوب السوري وقبالة الساحل الغربي لليمن. إذاً، ما يريده ابن سلمان مقابل عشرات المليارات هو تدخّل يقلب الموازين في جبهات المنطقة، وهو مطلب قد لا تكون المبالغ المتبقية في الخزينة السعودية ــ المتضائلة يوماً بعد آخر بفعل حسابات النفط والحرب ــ كافية لتغطية أثمانه، وما قد ينجم عن المواجهات الجديدة من تداعيات غير محسوبة.

التطبيع مع إسرائيل

ويبدو أن ترامب يطلب أكثر من المال؛ فالحديث المتصاعد عن اقتراب مرحلة التسوية العربية مع إسرائيل ودخول السعودية حقبة التطبيع العلني، لن يكون بعيداً من نتائج هذه القمة، كما هو واضح من حديث الصحافة السعودية التي تنظّر لـ«الضيف» الأميركي على أن في جعبته حلاً لقضية الصراع. أما في الرياض، فلا يزال ابن سلمان محافظاً على قرار تجنّب التطرق إلى القضية الفلسطينية، ولا حتى بالعبارات البروتوكولية التي درجت العادة عليها. ورغم أن تصريحاته الأخيرة تضمنت هذه المرة حديثاً في الشؤون الخارجية، فإن الأمير الشاب لم يذكر إسرائيل ولا فلسطين، لا في المقابلة التي ورد فيها أخطر تصريح سعودي ضد إيران، ولا في غيرها. وهو ما لا يمكن وضعه سوى في إطار الرسائل الإيجابية للإسرائيليين بالاستعداد لتكثيف العمل المشترك ضد «الأعداء المشتركين» وإخراجه إلى الضوء.
وكان لافتاً، قبل أيام، الاجتماع الثلاثي لكل من وزيري خارجية مصر والأردن، سامح شكري وأيمن الصفدي، وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، في عمان، حيث أكدوا خيار السلام مع إسرائيل. لكن الأخطر من كل ما تقدم تسريبات صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أول من أمس، عن عرض خليجي على إسرائيل لإقامة علاقات «أفضل» في حال تجميد الاستيطان!

قرار بالحرب على إيران؟

لا شيء ممّا تقدم، رغم كل التحشيد السياسي والعسكري، يشي بجدية التفكير في مواجهة عسكرية مع إيران، سواء بالحسابات المنطقية، أو تلك التجارية لدى ترامب. جلّ ما تطلبه السعودية، وفق صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية، هو غطاء ودعم يوفرهما ترامب لتحريك خلايا ما داخل إيران ضمن مشروع يعَدُّ له منذ عامين في الرياض، وتعتقد الأخيرة أنه نوع من «المعاملة بالمثل»، مقابل الجماعات المتحالفة مع إيران في المنطقة. وهو ما يفسّر عبارة ابن سلمان المدروسة: «نقل المعركة إلى الداخل الإيراني».
عمل سعودي مكثف يجري منذ سنتين تقريباً، وقد ترجم بصورة اتصالات بالخواصر الرخوة لطهران، بحثاً عن تمرد ما قد تؤمنه هذه الخلايا، في مناطق الأهواز وبلوشستان والمنطقة الكردية. آخر فصول هذه المساعي المعلومات التي تشير إلى تدخل سعودي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. ويضاف إلى هذا السيناريو مسعى لتشديد العقوبات على إيران، لمّح إليه وزير الأمن الداخلي الأميركي، جون كيلي. وحتى نضوج الرهان السعودي على الاختراق الداخلي لإيران، لا بد، في منظور الرياض، من تدخل سريع يقلب المعادلات في جبهتي سوريا واليمن، ويكثف العقوبات والحصار على طهران وحلفائها في محور المقاومة.

الحديدة... أولى المعارك؟

تبدو الجبهة اليمنية المكان الأكثر ملاءمة لتقديم الأميركيين مقابلاً لمليارات ابن سلمان. ووفق الصحافة الأميركية، فإن اليمن «مختبر» لجدية ترامب مع السعودية، مع التشديد على تجنّب الدخول المباشر في المعركة، وترجيح اتخاذ موقف بيني يتجاوز الدعم اللوجستي ولا يصل إلى المشاركة المباشرة. ورغم جمود الستاتيكو العسكري في الجبهات منذ سنتين، فإن الإدارة الأميركية ماضية في تكثيف الدعم العسكري وكسر بعض الخطوط الحمر التي وضعها أوباما لناحية نوع المبيعات العسكرية، حتى حدّ قبول الانزلاق خلف السعوديين في معركة الحديدة المرشحة لتكون «أقذر» معركة عسكرية في التاريخ المعاصر. وهذا مرتبط بتهديد الأمن الغذائي لـ17 مليون إنسان من دون فرص كبيرة لتغيير المعادلات، غير زيادة التجويع ومفاقمة الضغوط على المدنيين. لكن ترامب، وفق تسريبات أميركية، أعطى الضوء الأخضر لهذه المعركة. والمعلومات الواردة من اليمن (وفق مصادر تحدثت إلى «الأخبار»)، إلى جانب المعلنة أميركياً، تفيد بانخراط غير مسبوق لواشنطن في الحرب هناك، بدأ يترجم بتكثيف الوجود العسكري في مدينة عدن وجزر البحر الأحمر، ومتابعات أميركية تخطّت الدعم اللوجستي الخلفي إلى اتصالات تتابع الشؤون الميدانية لبعض الجبهات.
لكن، تنصب المراهنة الأكثر صعوبة، والأشد خطورة، على الجبهة السورية، حيث تتالت خيبات المحور السعودي على مدى ست سنوات هي عمر الأزمة. الرهان على ترامب اليوم، رهان على كسر خطوط أوباما الحمر سورياً، لإنعاش أدوات الصراع هناك، واستجماع قوى المجموعات المسلحة وداعميها، وتجديد الآمال بالحل العسكري، وصولاً حد التعويل على إعطاء الرياض ما لم يعطها إياه أوباما، من تدخل عسكري مباشر وحاسم.

نظرية «البقرة الحلوب»

رغم أن لائحة الرهانات والمطالب السعودية تطول، مشفوعة بتأكيدات للاستعداد التام لدفع ما يفوق نصف ثروة الرياض، فإنه في المقابل لا مؤشرات يرسل بها ترامب إلى ما هو استثنائي ووازن يمكن تقديمه إلى السعوديين، ويخالف خطابات الابتزاز التي أطلقها في حملته الانتخابية تجاه الحلفاء، وبالأخص السعوديين الذين «لا يملكون شيئاً البتة، إلا المال، ولا شيء آخر»، وفق تعبير ترامب وقتها. ليس في حسابات رجل الصفقات سوى الأرباح التي يمكن أن يجنيها من التقارب مع السعودية، بأقل ما يمكن من تبعات.
لذلك، وفق تقديرات مجلة «فورين أفيرز»، النتائج ستكون «مخيّبة» لآمال الرياض، التي أنفقت 200 مليار على حرب اليمن من دون حصد نتائج تذكر، وأقصى ما يمكن أن تجنيه من التقارب مع ترامب صفقات الأسلحة التي لن تبلغ مرحلة كسر التفوّق الإسرائلي، طبقاً لمصدر مطلع تحدث إلى «رويترز». وإضافة إلى ما تقدم، سيقول ترامب لابن سلمان إن جهودك التي بدأتها لتقليص نفوذ المؤسّسة الوهابية عبر برامج «الترفيه» ليست كافية، وعليك بالمزيد، مطالباً إياه باتخاذ موقف قوي ضد «الأيديولوجيا الإسلامية المتطرفة»، وفق تعبير هربرت ريموند ماكماستر، الذي كشف عن أن ترامب «سيدعو قادة العالم الإسلامي إلى تطوير رؤية سلمية للإسلام»