لم يكن أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، سوى الرد على قناة «فوكس نيوز» الأميركية، التي أكدت في تقرير لها، أنه طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الامتناع عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، خوفاً من تداعيات الخطوة وتحديداً التصعيد الأمني و«سفك الدماء» المقدّر أن يرافق ويعقب القرار.
فصدر عن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، رداً على تقرير القناة، هو خلاصة عن الجلسة التي جمعت نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 15 شباط الماضي، والتي دعا فيه (نتنياهو) إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأن نتنياهو شدد امام ترامب، على أن ذلك لن يؤدي إلى تصعيد أمني وإلى «سفك دماء». وبحسب مصادر في مكتبه: «ما قيل (على قناة فوكس نيوز) كذب. نتنياهو يؤيد نقل السفارة، وهو موقف ثابت وواضح».
لكن ما الذي يدفع نتنياهو إلى خطوة، وصفت في الإعلام العبري بـ«الشاذة وغير المعتادة»؟ يبدو أن الخشية من تداعيات تقرير القناة الأميركية، على مكانته داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية، وعلى موقفه في مقابل خصومه السياسيين، هي التي حركته للرد وكشف «خلاصة الحديث» مع ترامب. فكيفما اتجه القرار الأميركي، في نقل السفارة إلى القدس المحتلة، أو الامتناع عن ذلك، بات بإمكان نتنياهو الاستفادة من ذلك في وجه خصومه.

رهان نتنياهو مبني تحديداً على موقف السلطة الفلسطينية

في إطار ذلك، يمكن تسجيل النقاط الآتية:
يبدو أن خلفية قرار نتنياهو، بتظهير موقف مؤيد لنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وبهذه الكيفية والحدة، يرتبط بالسجالات الداخلية مع اليمين المتطرف وسياسييه، وضرورة التمظهر بصورة الأكثر تطرفاً تجاه الحقوق والقضايا الفلسطينية، وعلى رأسها القدس. على هذه الخلفية، يخشى نتنياهو أن «يوسم» بالشخصية الإسرائيلية التي فرّطت بالقدس ومنعت انتقال السفارة الأميركية إليها.
وبات بإمكانه، بعد صدور رده وتكذيب تقرير القناة الأميركية، أن يستفيد من أي قرار أميركي تجاه نقل السفارة إلى القدس باتجاهيه: إن قرر ترامب نقل السفارة، فسيُعزى ذلك إلى موقف نتنياهو الدافع إليه، وفي حال جاء القرار الأميركي ممتنعاً، فسيكون خلافاً لتوجهات نتنياهو، ومن دون إلقاء اللوم عليه.
إلا أن المعطى الأهم، والسؤال الأهم، هو الآتي: ما الذي استند إليه رئيس حكومة العدو كي يستبعد عدم تفجير الوضع الأمني إن قررت الإدارة الأميركية نقل السفارة إلى القدس المحتلة؟ هل جاء رهانه على السلطة الفلسطينية، أم على الشعب الفلسطيني؟ واضح إلى حد البداهة، أن الشعب الفلسطيني سيتخذ موقفاً سلبياً من الخطوة الأميركية، وسيندفع نحو الاحتجاج بأساليب مفتوحة على كل الاحتمالات، وهو ما كانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، قد أكدته قبل أشهر، وحذرت من تداعياته.
يعني ذلك أنّ رهان نتنياهو مبني تحديداً على موقف السلطة الفلسطينية، وقدرة أجهزتها الأمنية على احتواء الفلسطينيين ولجمهم، ومنعهم من التعبير في الميدان عن غضبهم وسخطهم من الخطوة الاستفزازية الأميركية عبر التنسيق الأمني والدفاع عن الأمن الإسرائيلي. وهو سؤال كبير جداً قد يحمل، للأسف، إجابة كبيرة جداً.