كلمة واحدة عنونت بها صحفية «عكاظ» السعودية «انهيار المجلس الانتقالي الجنوبي» كانت كافية لنسف الآمال، ووقف اندفاعة الانفعال التي أطلقت عن عمد إثر إقالة عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك من منصبيهما، وما أعقبه من تجييش للشارع الجنوبي ضد شرعية عبد ربه منصور هادي، ومن خلفه السعودية.
لم يكلف أحد من المسؤولين السعوديين نفسه عناء إصدار أي موقف رسمي تجاه «المجلس الانتقالي»، واقتصر الأمر على عنوان الصحفية المذكورة، فيما اكتفت الرياض بإيعازها إلى كل من «مجلس التعاون لدول الخليج» والجامعة العربية بإصدار بيان دعا فيه الأول «جميع مكونات الشعب اليمني إلى نبذ دعوات الفرقة والانفصال، والالتفاف حول الشرعية...». أما الجامعة، فدعت عبر أبناء الشعب اليمني إلى «التضامن وتجنيب البلاد مخاطر الانقسام والفرقة»، لأن الأولوية «لمواجهة الجماعة الخارجة عن الشرعية».
الإمارات الداعم الخليجي الوحيد لعيدروس، التي عبّرت عن موقفها المتحمس من تشكيل المجلس، والداعم الأساسي للحركة المضادة لقرار الإقالة (تحريضاً وتمويلاً) بنزول الجماهير في تظاهرة الرابع من أيار الاحتجاجية في عدن، لم يستطع وزير الدولة فيها للشؤون الخارجية أنور قرقاش إخفاء بهجته من حجم الحشود الجماهيرية. فغرّد على «تويتر» أن لكل فعل رد فعل، بعدما سبقه بتصريح استخف فيه بهادي، مضيفاً أن حجم قرار الأخير أكبر من قدرته، في إشارة إلى السعودية.
في غضون ذلك، طرأ تغير لافت على الموقف الإماراتي استنفرت لأجله السياسة الخارجية الإماراتية وأطلقت حملة بدت فيها أنها «تلحس» المواقف السابقة المؤيدة للمجلس (الأقرب إلى الانفصال)، التي أظهرتها في الجانب المناقض للتوجه السعودي. إذ أكد قرقاش أن بلاده مساندة للسعودية التي تقود «التحالف العربي» ومتمسكة بالتزامات تجاهها، معتبراً أن «التحالف» بقيادة الرياض يقض مضجع ثوار الثرثرة، مع الإشارة إلى أن منسوب الثرثرة والتناقض الحاد للناشطين الإماراتيين في تعليقاتهم على الأوضاع اليمنية هو الأكبر من نظرائهم الخليجيين.
مطلعون على وضع «التحالف الخليجي» رأوا أن أبو ظبي تعمد من وقت إلى آخر إلى قياس قدرتها على التفلت من الهيمنة السعودية، وكذلك اختبار قوتها في بناء سياسة خارجية مستقلة، بالإضافة إلى محاولاتها الدائمة لكسب ثقة واشنطن بالاعتماد عليها في الخليج العربي والقرن الأفريقي. وترى جنوب اليمن المجال الحيوي لإجراء الاختبارات مستغلة إمساكها الملف الجنوبي وحاجة الرياض إليها في تجنيد الشباب الجنوبيين لتلبية حاجتها من العنصر البشري في جبهات الشمال. مع ذلك، تظهر الإمارات دوماً أنها على عجلة من أمرها، وعادة ما تضطر إلى التراجع، مبررة ذلك أمام حلفائها الجنوبيين بالضروري لاستمرار «التحالف» مع السعودية، وأنه تنازل شكلي لا يمس الجوهر. ومن المفيد التذكير بأن الرياض تسمح لأبو ظبي باللعب في تلك الساحة ضمن هامش ضيق، لكنه يشكل إغراءً لقادتها السياسيين بعد عزوف الرياض عن متابعة المجريات اليومية. لكن، في كل مرة، يأتي التدخل السعودي عند الخروج عن المحددات المرسومة لأبو ظبي، وإلا فستضطر الأخيرة إلى التراجع، وتقديم واجب الطاعة بانتظار فرصة جديدة.
وكانت السعودية قد استدعت كلاً من الزبيدي وبن بريك يوم الجمعة الماضي، وعلمت «الأخبار» أنهما لم يلتقيا أي جهة رسمية حتى مساء أمس، وذلك في محاولة لإيجاد مساحة مشتركة بين الطرف المحسوب على الإمارات، وما يسمى الشرعية. وجرت العادة على استدعاء عيدروس وبن بريك للتباحث في الشأن الجنوبي، وفي كل مرة تطول إقامتهما في العاصمة السعودية. وقد استمرت الزيارة قبل الحالية شهراً ونصف شهر تقريباً، قبل أن يعودا إلى عدن ويُقالا. وبذلك يكون «المجلس الانتقالي» الذي لم يتم بعد على إعلانه أسبوع تلقى ضربة قاسية، وسيضاف إلى المجالس المتعددة والمتباينة على الساحة الجنوبية، وتكون السعودية أيضاً قد نجحت في إفراغه من مضمونه السياسي وعطلت وظيفته.
الأهم في ذلك كله أن المواطن الجنوبي الذي يرزح تحت وطأة الوضع الاقتصادي الصعب، والمؤمل دائماً في قيادة جنوبية جديدة تحمل أوجاعه ومطالبه المحقة، والذي زحف إلى الساحات لتفويضها، يفاجأ بأن هؤلاء «القادة» الذين يفترض بهم الوفاء لمن أعطوهم الثقة منخرطون في أجندات خارجية ومرهونون للمصالح الشخصية والفئوية الضيقة بعيداً عن المطالب المحقة للقضية الجنوبية.