انطلقت اجتماعات جولة محادثات جنيف السورية، وفق الجدول المحدد لها من قبل المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، بسلسلة اجتماعات مكثّفة مع الوفدين السوريين الحكومي والمعارض. الجولة التي أعلن مسبقاً أنها ستكون مختلفة عن سابقاتها من حيث مدتها وآلية انعقادها، لم يمهّد لها بجلسة إعداد لجدول أعمال مختلف، بل حضرت نقاشات «السلال الأربع» إلى طاولة التفاوض «الصغيرة» هذه المرة.
وعلى خلاف سابقاتها التي عقدت على وقع اشتعال جبهات درعا وريف حماة وطوق دمشق، بدأت هذه الجولة بالتوازي مع هدوء نسبي يسود معظم جبهات الميدان، عدا المشتركة مع «داعش»، التي تشهد تصعيداً كبيراً من أطراف البادية جنوباً حتى الرقة في الشمال. ويبدو أن أجواء «تخفيف التصعيد» التي فرضها اتفاق أستانا قد أثّرت على أروقة جنيف، التي لم تشهد ــ وفق العادة ــ تصريحات ناريّة من طرفي الحوار السوريين. كذلك بدا لافتاً غياب التصريحات الدولية والإقليمية من الأطراف المعنية بالملف السوري، والتي اقتصرت على بيانات ترحيب بمسار جنيف في الإجمال. كذلك فإنها تجري في ضوء «هدنة» روسية ــ غربية حالياً، وبعيداً عن معارك مجلس الأمن السابقة. وشهد صباح أمس لقاءً بين دي ميستورا ووفد الحكومة السورية، الذي اجتمع بدوره مع نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، الحاضر في جنيف، لتنسيق ومتابعة مجريات المحادثات. وعاد دي ميستورا ليلتقي في وقت لاحق وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة، قبل اجتماعه مجدداً بالوفد الحكومي.

ركّز ستيفان دي ميستورا على بحث
«سلّة الدستور»


ورغم تمسّك وفد المعارضة بمطلب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، فإنه أبدى في الوقت نفسه، أمس، استعداده لإجراء محادثات مباشرة «بشرط إبداء الطرف الآخر الحرص المطلوب». ونقلت مصادر معارضة أن لقاءها مع دي ميستورا تركّز حول «سلّة الدستور»، إلى جانب متابعة ملف المعتقلين، مضيفة أن المبعوث الأممي طلب تسريع العمل على تلك «السلّة».
وأوضحت أن الوفد ينوي تقديم وثيقة خلال المحادثات تدين مشاركة إيران، بصفتها دولة ضامنة في اتفاق أستانا، في مراقبة اتفاق «مناطق تخفيف التصعيد». وتعهد وفد «الهيئة» بعدم مغادرة جولة المحادثات الجارية، منتقداً «اتفاقات المصالحة» التي تجري في بعض المناطق، لكونها «تعدّ عملية ترحيل إجباري لآلاف السكان».
ولفت المتحدث باسم الوفد، سالم المسلط، في حديث إلى وكالة «فرانس برس»، إلى أن «وفدنا ركّز على الإفراج عن الأسرى، و(ركّز) دي ميستورا على الدستور. ولم تقدم أيّ وثيقة أثناء اللقاء». وشدد على أن «الهيئة تؤمن بالاتفاقات التي تبرم هنا في جنيف وليس في أستانا».
وفي موازاة جولة المحادثات، يتابع لاعبو الميدان تحضيراتهم لتوسيع العمليات ضد تنظيم «داعش»؛ فبينما تعمل القوات السورية وحلفاؤها على توسيع هجومهم على جبهات البادية وفي ريف حمص الشرقي، تقترب «قوات سوريا الديموقراطية» من مدخل الرقة الشمالي. وفي الوقت الذي تشتد فيه مقاومة «داعش» على كلا الجبهتين، تبدي أنقرة إصراراً على دور في الحرب ضد التنظيم، يجنّبها البقاء حبيسة «اتفاق أستانا»، ويمكّنها من تحييد الأكراد.
هواجس أنقرة التي أقلقت رئيسها المنتصر في الاستفتاء، حملها الأخير خلال زيارته لواشنطن، والتي تحدثت عنها الأوساط التركية على أنها «فرصة جديدة» للتعاون بين الإدارة الأميركية والأتراك. وعقب اللقاء الذي جمع الرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره الأميركي دونالد ترامب، في البيت الأبيض أمس، والذي وصفه الأخير بأنه سيكون «طويلاً وصعباً»، قال أردوغان إن التعامل مع «وحدات حماية الشعب» الكردية ودعمها من قبل أي دولة «أمر غير مقبول»، مشدداً على أنه «لا مستقبل للمنظمات الإرهابية في المنطقة». وشدد على ضرورة «إظهار تضامن مشترك ضد تلك التنظيمات التي تهدد مستقبل المنطقة من دون التمييز بينها»، مضيفاً أنه «ينبغي ألا نسمح بتغيير المعتقدات في المنطقة وتركيبتها العرقية بذريعة مواجهة المنظمات الإرهابية».
ومن جهته، قال ترامب: «أتطلع بقوة للعمل مع الرئيس أردوغان من أجل مكافحة التهديدات المشتركة التي تواجهنا وصنع مستقبل مشرق لشعوبنا».
(الأخبار)