أمس، بدا المشهد مختلفاً مع إحباط محاولة لتفكيك غرفة خشبيّة نادرة ذات قيمة تاريخيّة رفيعة وتهريبها إلى لبنان. وتلقّت «الأخبار» صباح أمس معلومات تفيد بشروع مجموعة أشخاص في تفكيك الغرفة تمهيداً لنقلها إلى لبنان، كذلك سارع المحامي والباحث علاء السيّد إلى إثارة الموضوع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتكون «الأخبار» طرفاً مساهماً في إحباط تلك المحاولة.
إهمال «محلي» واستجابة مركزيّة

لدى إثارة الموضوع مع مدير الآثار في حلب «أكرم قرح كلّه»، أوّل الأمر جاء ردّه فاتراً ومثيراً للاستغراب «هي ملكية خاصة، واللي عم يفكّو الغرفة مبعوتين من طرف صاحب البيت ومعهم موافقة». حصلت «الأخبار» على صورة من الموافقة المذكورة، وهي موافقة موقّعة أصولاً من رئيس اللجنة الأمنية على طلب يزعم مقدّمه أنّه سينقل «ما تبقى في المنزل من أغراض وأخشاب إكساء بعد تعرضه للقذائف».

حاولت «الأخبار» الاتصال بمحافظ حلب (حسين دياب)، لكنه لم يكن متاحاً، فسارعت إلى الاتصال بمدير الآثار والمتاحف في سوريا (د. مأمون عبد الكريم)، لكنّه لم يكن متاحاً بسبب انشغاله بمحاضرة في جامعة دمشق. تواصلت «الأخبار» مع مكتب وزير الثقافة (محمد الأحمد) الذي لم يكن متاحاً بدوره، وتلقى المكالمة بدلاً منه مستشاره (محمود عبد الواحد) الذي استمع إلى التفاصيل ووعد بمتابعة الموضوع بصورة فوريّة. وبعد وقت قصير تلقّت «الأخبار» اتصالاً من مدير الآثار والمتاحف يخبرنا خلاله أنه تلقى اتصالاً عاجلاً من وزارة الثقافة وقطع محاضرته على إثره، وأنّه باشر سلسلة اتصالات لمعالجة الموضوع. قامت «الأخبار» بالتواصل مجدداً مع مدير الآثار في حلب، الذي أجاب بلهجة مختلفة هذه المرة، وأكّد أنه انطلق لمتابعة الموضوع. قام مدير الآثار بوضع محافظ حلب في صورة التفاصيل، ليُصار بعدها إلى تشكيل لجنة فنية توجهت إلى الموقع وأوقفت أعمال فك الغرفة، كذلك تمّ ختم الدار بالشمع الأحمر احترازيّاً.

القطبة المخفاة؟

بمتابعة الموضوع، تبيّن أنّ ملكيّة المنزل تعود لمواطن من الجنسيّة اللبنانيّة هو زياد محسن دلّول، وبدا الأمر غريباً، لأنّ تملّك المذكور لمنزل أثري يحتاج إلى التفاف على القانون السوري، حيث يتعذّر نقل الملكيّة قيداً، لا سيّما أن المنزل مسجّل على قيود اليونسكو تحت بند «أثري بذاته». ويقول المحامي علاء السيد لـ«الأخبار» إنّ نقل ملكيّات من هذا النوع قبل عام 2011 كان يتم عبر رفع دعاوى أمام المحاكم تطلب تثبيت البيوع، وبعد استصدار حكم يتم تثبيت البيع في السجل العقاري. ووفقاً للسيّد، فقد تغيّرت الحال مع صدور القانون 11 لعام 2011 الخاص بتملك الأجانب للعقارات، والذي نصّ على أنّ «التملّك يجب أن يتم بترخيص مسبق يصدر بقرار من وزير الداخلية». لكنّ اللافت في ملف «دار مقيّد» هو إصرار مدير الآثار في حلب (أكرم قرح كلّه) على زعم أن صاحب المنزل سوري. وبعد إحباط تفكيك الغرفة، أدلى قرح كلّه بتصريح إلى وسائل إعلام محليّة يقول فيه «تبيّن أن الشخص الذي يقوم بفكّ الخشب هو عامل تم تكليفه من قبل صاحب العقار الذي هو سوري مقيم في لبنان، من عائلة مقيد». وتفيد معلومات «الأخبار» بأنّ مالك المنزل (زياد دلّول) قد أحيط علماً بتوجه اللجنة الفنية لإيقاف عملية الفك، وحاول الحيلولة دون ذلك عبر «اتصال له وزنه»، من دون جدوى.

حالة يُبنى عليها؟

يؤكد مدير الآثار والمتاحف مأمون عبد الكريم أنّ «الحالة ستدعم جهود مديرية الآثار والمتاحف في حماية مدينة حلب القديمة». ويوضح أن «نقل أي شيء من حلب القديمة يستدعي موافقة من مديرية حماية المدينة القديمة بوصفها الجهة العلميّة المختصّة»، ويؤكد أن «المديرية قد خاطبت رئاسة الحكومة في هذا الشأن، ومن المتوقع أن تصدر قرارات مهمة على هذا الصعيد في خلال الفترة القصيرة المقبلة».

التاريخ يتكلم

يعود تاريخ الغرفة الخشبيّة إلى القرن السادس عشر ميلادي، وهي واحدة من محتويات منزل أثري اسمه «دار مقيّد» نسبةً إلى الملّاك الأساسيين. يقع المنزل في منطقة باب قنسرين التاريخيّة في مدينة حلب القديمة، وهو في الأصل منزل يعود إلى العصر الأيوبي تهدّمت أجزاء منه وأعيد بناؤها حوالى عام 1500 ميلادي. وتقول معلومات متناقلة شفهياً إنّ الدار تحوي سرداباً يوصل إلى قلعة حلب، لكن ذلك لم يمنع نقل ملكيتها تمهيداً لتحويلها إلى مطعم، وكانت أعمال ترميم قد انطلقت فيها لهذا الغرض، قبل أن يرجأ المشروع. وتضاهي الغرفة الخشبيّة في قيمتها غرفة أثريّة مماثلة معروضة في متحف برلين تحت اسم «الغرفة الحلبية»، كانت سيدة ألمانية قد اشترتها في مطلع القرن العشرين من «بيت وكيل» الأثري ونقلتها إلى ألمانيا.