يبدو أن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني كانا راضيين عن لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وذلك بمعايير اليمين الإسرائيلي الذي يسعى إلى تكريس الوضع القائم.
لم يُعثر على ما قد يقلقهم في تل أبيب، بل حرص ترامب على تجنب ما يستفز معسكر اليمين، فهو لم يأت على ذكر الدولة الفلسطينية، وأكد أنه لن يفرض اتفاقاً على الجانبين، بل إن أي تسوية ينبغي أن يتم التوصل إليها عبر مفاوضات مباشرة بينهما، وهو من أهم المبادئ التي تتمسك بها حكومة نتنياهو، لأنها تفتح لها الباب للاستمرار في سياسة التسويف والمماطلة، وتجنبها أي محاولة ضغط دولية كي تفرض عليها التراجع عن بعض السقوف العالية التي تتمسك بها.
مع ذلك، في حال صدر عن ترامب ما قد لا يستحسنه «الذوق» اليميني، فهو يلاقي بذلك إسرائيليين آخرين يرون مصلحة إسرائيل في هذا النمط من الخطاب والمقاربة، ومن ضمنهم الأجهزة الأمنية التي تثني على الدوام على جهود أجهزة أمن السلطة لمصلحة إسرائيل، وترى في رئيس السلطة فرصة، وأنه جزء من الحل وليس مصدر مشكلة لإسرائيل.

سيزور ترامب نهاية الشهر الجاري السعودية ثم فلسطين المحتلة

في المقابل، يمكن لعباس الشعور بالرضى، وخاصة أن الرئيس الأميركي انتظره على مدخل البيت الأبيض ورافقه إلى غرفة روزلفت، ولم يحرجه أمام الكاميرات كما فعل لقادة آخرين. وهو ما منحه، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت» الشعور بأنه زعيم عالمي، كما وعده بالعمل من أجل تدعيم الاقتصاد الفلسطيني.
مع ذلك، إن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس لا يزال يرفرف فوق رؤوس أنصار التسوية في الوسط الفلسطيني. ومع أن بعض التقديرات الإعلامية تبالغ في توصيف حقيقة رد فعل اليمين الإسرائيلي، الذي يبدو أنه يتعمد تظهير مواقفه المعترضة بأسلوب حاد، وضمن هذا الإطار يأتي الحديث عن أن «التقارب والحميمية بين الزعيمين» قد يؤديان إلى قلق الحكومة، فإنه لم يصدر في هذه المرحلة عن ترامب ما يلبي شعارات عباس ومطالبه.
في كل الأحوال، بات من الواضح أن ترامب، بعد الرؤساء الأميركيين السابقين، بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، يواصل الاهتمام بمحاولة التوصل إلى «اتفاقية سلام تاريخية» بين إسرائيل والفلسطينيين. وعلى هذه الخلفية، أتت دعوته إلى كبح البناء في المستوطنات بما يمنح إسرائيل الاستمرار في البناء، وفي الوقت نفسه ضمن سقف يرى أنه يوفر له هامش الدفع نحو تسوية نهائية. والأمر نفسه ينطبق على تعيين مبعوث خاص لعملية التسوية، الذي بدأ جهوده الاستكشافية حول آفاق التسوية. هكذا، وإن بدا أن ترامب لم يغير القواعد في مساعي الدفع نحو تسوية نهائية، فإنه يبقى الأقرب إلى تفهم شعارات اليمين.
ضمن هذه الرؤية، تناولت التقارير الإعلامية في تل أبيب لقاء القمة بين عباس وترامب. وتوقف بعضها عند التفاؤل الذي أظهره ترامب، من دون أن يذكر حل الدولتين أو رؤيته لتحقيق الصفقة التي يتحدث عنها، وهو ما برز في كلامه حينما قال: «طوال حياتي قال لي الناس إن هذه هي أصعب صفقة يمكن تحقيقها»، وتوجه إلى عباس بالقول: «تعال لكي نثبت أنهم أخطأوا».
لكن، كما هو متوقع، واصلوا في تل أبيب استراتيجية التصويب على الرئيس الفلسطيني والتشكيك في نياته بهدف مواصلة الضغوط عليه لانتزاع المزيد من التنازلات. وفي هذه المرحلة، يتم التركيز على الحقوق المالية التي تقدم إلى عائلات الشهداء والجرحى والأسرى.
على خط مواز، يحرصون في تل أبيب على تجنب مواقف تستفز ترامب، بهدف إبقاء الكرة في الملعب الفلسطيني. وحول ذلك، رأت صحيفة «هآرتس» أن السلاح الجديد وغير السري الذي يعتمده رئيس السلطة هو التملق. والأمر نفسه ينطبق على نتنياهو «الذي يقصف البيت الأبيض بكلمات الاعتزاز المبالغ به». لكن، بالنسبة إلى المستوطنين، لا يزال من المبكر عليهم الدخول في حالة فزع، مع أنه «بالتأكيد يمكن الدخول في حالة ضغط».
وليس بعيداً عن ذلك، ستكون جولة ترامب المقبلة في المنطقة إيذاناً ببدء السياسة الخارجية الجديدة، إذ أعلن الفاتيكان أمس أن البابا فرنسيس سيستقبل الرئيس الأميركي في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، في حين أن من المقرر أن يزور الأخير إيطاليا في نهاية أيار للمشاركة في قمة مجموعة السبع في صقلية، كما من المقرر أن يشارك في قمة «حلف شمالي الأطلسي» في بروكسل.
كذلك، أعلن ترامب أنه سيتوجه في الوقت نفسه إلى السعودية ثم فلسطين المحتلة، علماً بأن هذه ستكون أول رحلة له إلى الخارج منذ وصوله إلى البيت الأبيض. وأضاف أنه سيبدأ «باجتماع تاريخي حقيقي في السعودية مع قادة من جميع أنحاء العالم الإسلامي... هناك سنبدأ بناء قاعدة جديدة للتعاون والدعم مع حلفائنا المسلمين لمكافحة التطرف والإرهاب والعنف وتحقيق مستقبل أكثر عدلاً وأملاً للشباب المسلمين في بلاده».