القاهرة | في مدرسة الراهبات الفرنسيسكان الابتدائية في محافظة بني سويف (120 كم جنوبي العاصمة)، جلس طارق، الطفل المسلم، إلى جوار أبرام، زميله المسيحي. ظل كلاهما في المدرسة الخاصة لا يفترقان إلا في حصة الدين، المادة الإجبارية من الصف الأول ابتدائي وحتى نهاية المرحلة الثانوية. لكن في الجهة المقابلة، إن حظ أبرام في المدرسة التي يشرف عليها ويديرها راهبات يقمن في الطابق العلوي فيها، أفضل من زملائه في المدارس الحكومية في حصص الدين، فالمدرسة التي تجعل حصص الدين لكل مرحلة في التوقيت نفسه، يذهب فيها الطلاب المسلمون إلى فصل والمسيحيون في صفٍ مستقل، بينما في المدارس الحكومية يذهب الطالب المسيحي إلى حجرة الأنشطة أو أي مكان آخر لتلقي الدروس نظراً إلى قلة أعدادهم مقارنة بزملائهم المسلمين، بينما يلجأ بعض المدارس في القرى كي تكون حصة الدين المسيحي في «الحوش» المخصص للعب.
لا يمنع القانون المصري التحاق المسلمين بمدارس الراهبات أو المدارس القبطية بشكل عام، فالمدارس المعروفة بجودة مستوى تعليمها وتخريجها أوائل الطلاب باستمرار، ترحب بالمسلمين الذين يشكلون غالبية تلاميذها في أماكن متفرقة من المدن المصرية، ويرجع تاريخ إنشاء غالبية هذه المدارس إلى أكثر من 100 عام. لكن في المقابل يمنع بشكل كامل دخول الطلاب المسيحيين إلى مدارس الدعوة الإسلامية وهي المدارس التي يكون الالتحاق فيها حكراً على المسلمين، وكان بعضها يشترط في التسعينيات والثمانينيات أن تكون والدة الطفل محجبة كشرط لقبول الابن في المدرسة، وهو المنع الذي يطال أيضاً مدارس التعليم الأزهري وجامعاته.
في المدارس الحكومية، لا يوجد مدرسون متخصصون بتدريس التربية الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية، وهو ما يفسر بوضوح اقتصار تدريس التربية الدينية الإسلامية على مدرّسي اللغة العربية، باعتبارهم الأكثر قدرة على قراءة تجويد الآيات القرآنية الموجودة في المناهج، وإسناد تدريس التربية المسيحية لأي مدرس مسيحي يعمل في المدرسة بغض النظر عن كفاءته أو علمه بالدين المسيحي. فتندرج حصص التربية الدينية ضمن نصابه القانوني في الجدول المدرسي الذي يحدد وفق درجته وسنوات خبرته.

هناك تخصصات جامعية تُعدّ حكراً على المسلمين أبرزها الطب النسائي


يتعمد مدرسو التربية الدينية، وحتى الموجهون، وضع أسهل أسئلة في الامتحانات حتى في المراحل الثانوية. فالآيات القرآنية تأتي من بداية السور عادة أو من نهايتها وهو ما يحدث نفسه مع آيات الإنجيل التي تكون مطلوبة للإجابة عن التساؤلات، فيما يندر أن تجد طالباً راسباً في الامتحان الذي لا تضاف درجته إلى المجموع، لكن الرسوب فيه يجعل الطالب يعيد العام الدراسي كاملاً!
لم يدرك طارق معنى شتيمة «ص ك» (صليب كلب) التي بدأ يوصَف بها صديقه أبرام سوى بعد أسابيع عدة من التحاقه بالمدرسة الحكومية. فالطلبة اعتادوا إطلاق هذا التعبير المختصر أو «4 ريشة» في إشارة إلى الصليب على زملائهم المسيحيين، فيما جرت العادة أن يجتمع الطلاب المسيحيون في نطاق مكان جلوس واحد داخل الصف.
صحيح أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن نسبة الأقباط المصريين تفوق الـ 12%، لكن هذه النسبة عندما يتم قياسها إلى الصفوف الدراسية التي يصل متوسط الطلاب فيها إلى 50 طالباً، نجد أن عدد الطلاب المسيحيين فيها لا يزيد عن 5 أو 6 طلاب على الأكثر.
في مناهج اللغة العربية يندر ألا تجد صفاً دراسياً من دون آيات قرآنية يكون على جميع الطلاب مسلمين ومسيحين، حفظها لكونها تُدرج في الامتحانات، بينما لا يوجد في المنهج آيات من الإنجيل. وقد نقحت وزارة التربية والتعليم بعض كتبها التي احتوت على آيات قرآنية يحمل بعضها تفسيرات قد تسيء للمسيحين.
في المرحلة الجامعية، وبرغم النضج الذي يفترض أن يكون وصل إليه الشباب لتمييز ما يحيط بهم، ثمة عقبات على طريق التمييز تبدأ من المدن الجامعية التي تحظر بقرار غير رسمي إقامة طالب مسلم وآخر مسيحي في الغرفة نفسها، فيتم إسكان الطلاب المسيحيين في غرف متجاورة بعيدة نسبية عن الطلبة المسلمين، وعادةً ما يكون جميعها في طابق واحد، وهو إجراء تفسّره الجامعات بأنه «يأتي اتساقاً مع توفير حرية الطلاب بممارسة شعائرهم العقائدية، لكون بعض الطلاب المسيحيين يرغبون في تعليق صور رموز دينية معينة بينما يقوم الطلاب المسلمون بتشغيل القرآن بصوت مرتفع داخل غرفهم خصوصاً يوم الجمعة».
في هذا الوقت، نجد في المدن الجامعية مسجداً وربما زاوية صغيرة للصلاة في كل مبنى، لا يتوافر في مقابلها كنيسة أو مكان يؤدي فيه الطلاب المسيحيون شعائرهم الدينية أسوةً بزملائهم المسلمين.
التمييز في الجامعة ليس مرتبطاً فقط بالمساكن، ولكن أيضاً ببعض التخصّصات التي تعتبر حكراً على المسلمين، ولا يقترب منها الأقباط إلا فيما ندر وبحالات استثنائية، مثل قسم اللغة العربية وقسم النساء والولادة في كلية الطب (حيث يرفض عدد كبير من النساء المسلمات توقيع الكشف عليهن من طبيب مسيحي)، بالإضافة إلى الكليات العسكرية التي لا تقبل سوى عدد محدود للغاية من الطلاب المسيحيين من دون أن يُسمح لهم بالوصول إلى مناصب قيادية، وهو ما ينطبق على جهات عدة في الحكومة برغم النفي الرسمي لوجود تمييز في الاختيار على أساس ديني.