الجزائر | على الرغم من الطابع البروتوكولي الواضح لزيارة برنارد كازنوف للجزائر، بسبب قرب انتهاء فترة ولاية الاشتراكيين في فرنسا واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فإنّ مجيء المسؤول الفرنسي الرفيع إلى الجزائر، كان له دلالات رمزية وسياسية قوية، تؤشر إلى رغبة باريس في تأكيد أهمية الجزائر ومحوريتها في علاقاتها الإقليمية والدولية.
وتعدّ زيارة كازنوف الأخيرة ضمن ولاية الرئيس الحالي فرنسوا هولاند، لذلك حرص على تطمين الجانب الجزائري على أن وتيرة العلاقات بين البلدين لن تتغير مع القيادة الجديدة التي ستأتي بها الانتخابات الفرنسية المقبلة، وخصوصا في ما يتعلق بالشراكات القائمة في المجال الاقتصادي أو تلك التي تنتظر التجسيد.
وأبرز المسؤول الفرنسي في الندوة الصحافية التي عقدها مع عبد المالك سلال، أمس، أن «هناك مشاريع تم إنجازها خلال هذه العهدة (الولاية الرئيسية)، وأخرى قيد الدراسة وستتم مباشرتها في الأسابيع أو الأشهر المقبلة، وخاصة في القطاعات الاقتصادية المهمة على غرار صناعة السيارات والصناعة الغذائية والطاقات المستقبلية».
وبحسب كازنوف، فإن الاستثمارات الفرنسية في الجزائر بلغت «1.8 مليار يورو سنة 2015»، وهي «استثمارات نوعية» تقدم «قيمة مضافة» للاقتصاد الجزائري. أما في التعاون الأمني، فقد أشار المسؤول الفرنسي إلى أن الجزائر وبلاده متوافقتان تماماً في موضوع الحل في ليبيا، علماً بأن الجزائر ترافع من أجل حل الأزمة عبر الطرق السلمية وترفض اللجوء إلى أي تدخل عسكري. وفي مالي ومنطقة الساحل عموماً، أكد أن فرنسا «ستستمر في مكافحة الإرهاب» عبر قوتها العسكرية «برخان» المنتشرة في المنطقة.

لم يحلّ عهد هولاند
قضايا عالقة على غرار
الأرشيف والكنوز الأثرية

من جهة أخرى، قال عبد المالك سلال إن اللقاء سمح بحل بعض المشاكل العالقة بين الشركة الوطنية النفطية «سوناطراك» وشركتي «توتال» و«إنجي» الفرنسيتين، من دون أن يشير إلى طبيعة هذه الخلافات. وكانت «توتال» الفرنسية قد هددت بمقاضاة «سوناطراك» في المحاكم الدولية، إثر فسخ عقد لاستغلال آبار نفط وغاز بينهما، بسبب اعتبار الشركة الجزائرية أن «توتال» تأخرت في تجسيد التزاماتها معها.
وفيما كشف سلال، خلال المؤتمر الصحافي، عن إمكانية انطلاق مصنع «بيجو وسيتروان» للسيارات قبل نهاية العام الجاري، إلا أنّ بياناً كانت قد وزعته رئاسة الوزراء عقب الاجتماع المغلق مع كازنوف، أشار إلى أنّ «الطريق الذي قطعه البلدان في مسار العلاقات الثنائية يبقى بلا شك غير كاف»، برغم «ما تم تحقيقه من نتائج»، مضيفاً: «لا بد من أن أشير الى الخط التنازلي للاستثمارات الفرنسية في الجزائر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يتناقض مع طموحاتنا من أجل شراكة استراتيجية».
ولم يفوّت الوزير الأول الجزائري حضور نظيره الفرنسي، ليوجّه رسالة مفادها أن الرئيس بوتفليقة هو الماسك بزمام القرار في البلاد، قائلاً: «الجزائر لها قائد واحد هو عبد العزيز بوتفليقة، ولا أحد يعطيني التعليمات دونه». هذا التأكيد من المسؤول الجزائري، يأتي في ظل التساؤلات المتكررة التي يطرحها الرأي العام الجزائري حول قدرة الرئيس بوتفليقة على ممارسة صلاحياته كاملة في ظل وضعه الصحي الصعب.
وتأتي هذه التصريحات، بعد نحو عام من زيارة الوزير رئيس الوزراء الفرنسي السابق، مانويل فالس، والجدل الواسع الذي رافقها إثر نشره صورة له مع الرئيس بوتفليقة، تُظهر الأخير في وضع صحي منهك. وأطلقت تلك الصور وقتها التساؤلات في الصحافة الفرنسية حول مدى قدرة الرئيس بوتفليقة على الحكم، قابله سخط عارم من الموالين للرئيس في الجزائر، أبرزهم مدير ديوانه أحمد أويحيى، الذي وصف ما أقدم عليه فالس بالعمل الدنيء.
وبنهاية فترة ولاية الرئيس هولاند، تكون العلاقات الجزائرية ــ الفرنسية، قد مرت بإحدى أحسن مراحلها إلى درجة وصفها من وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس، بـ«شهر العسل غير المسبوق»، مع تسجيل بعض التوترات التي شابتها من حين لآخر، والتي لا ترقى إلى درجة ما كانت قد وصلت إليه في فترتي الرئيسين اليمينيين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي. في المقابل، عرف هولاند مع نزوله قصر الإليزيه في 2012 كيف يستميل المسؤولين الجزائريين، من خلال خطوات رمزية، تارة بالاعتراف بمسؤولية الشرطة الفرنسية في إيقاع ضحايا من المتظاهرين الجزائريين في باريس أيام الثورة الجزائرية، وتارة أخرى بإيجاد توصيفات تعبر عن ظلم النظام الاستعماري الذي طبقته بلاده على الجزائر طوال 132 سنة.
غير أن هذه الخطوات، وفق متابعين جزائريين، تبقى رمزية ولا تصل إلى درجة الاعتراف الكامل بالجرائم الاستعمارية في الجزائر، فضلاً عن كونها لم تجد الحل للكثير من القضايا العالقة على غرار الأرشيف الجزائري وبعض الكنوز الأثرية التي لا تزال محتجزة، ورفات المقاومين الجزائريين الموجودة بالمتاحف الفرنسية، إلى جانب خرائط الألغام والتعويض لضحايا التجارب النووية في الصحراء الجزائرية. أما في الجانب الاقتصادي، فلا يزال الميزان التجاري خارج المحروقات، يميل بشكل كبير لمصلحة الجانب الفرنسي.