انتهت مجريات الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن الدولي، أمس، التي كانت مخصصة لبحث «الهجوم الكيميائي» في بلدة خان شيخون، من دون طرح مشروع قرار ثلاثي أميركي ــ بريطاني ــ فرنسي، كان قد جرى الحديث عنه قبيل عقدها. المشروع وفق ما نقلت مصادر مطلعة، يدعو إلى إدانة استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، ويجبر الحكومة السورية على تقديم تقرير مفصل عن جدول عمل طائراتها الحربية، يوم وقع الهجوم، إلى جانب قائمة بأسماء الضباط قادة تلك الطائرات التي شاركت في العمليات في خلال اليوم نفسه.
كذلك يهدد بفرض عقوبات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وبينما حملت الجلسة هجوماً متبادلاً بين المندوب الروسي ومندوبي الدول صاحبة مشروع القرار، فقد ترافقت بحملة تصريحات رسمية أميركية حول «الهجوم»، على رأسها ما بدا أنه تصعيد من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجاه دمشق والرئيس السوري بشار الأسد. وقد تحمل تصريحات ترامب تحدياً جديداً، سيتطلب عليه مواكبته في خلال الأيام المقبلة، إذ قال إن موقفه «تجاه سوريا والأسد بعد الهجوم، قد تغير كثيراً». وأوضح في مؤتمر صحافي مشترك مع الملك الأردني عبد الله الثاني (راجع ص 12)، في معرض رده على سؤال عما إذا كانت الهجمات قد تجاوزت خطاً أحمر بالنسبة إليه، أنها «تجاوزت الكثير من الخطوط». وأضاف أن «إدارة أوباما كانت لديها الفرصة لحل الأزمة منذ فترة طويلة»، مضيفاً القول: «إنني أتحمل الآن المسؤولية وسأحملها بكل فخر». وكان ترامب قد ردّ على أسئلة الصحافيين، حول احتمال تغيير السياسة الأميركية في الملف السوري، بالقول: «سنرى».
المزاج «الجديد» لتصريحات ترامب، ترافق مع لغة «تهديد» عالية من المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، التي قالت في خلال جلسة مجلس الأمن، إنه «عندما تفشل الأمم المتحدة باستمرار في مهمتها القاضية بتحرك جماعي، هناك أوقات في تاريخ الدول نجبر فيها على التحرك بأنفسنا». وانتقدت هالي الجانب الروسي بنحو مباشر وحاد، موضحة أنه «إذا كانت روسيا تملك التأثير الذي تدعيه في سوريا، فعليها أن تستخدمه». ورأت أن «الأسد لن يوقف استخدام الأسلحة الكيميائية، ما دامت روسيا تواصل حماية نظامه من العواقب»، مضيفة أن «الحكومة السورية غير الشرعية التي يقودها رجل بلا ضمير ارتكبت فظائع لا توصف... فيما إيران ترسل تعزيزات عسكرية، وروسيا توفر حماية للأسد من عقوبات الأمم المتحدة».

رفضت موسكو مشروع القرار لكونه «منحازاً» ضد دمشق

وبدوره رد المندوب الروسي، فلاديمير سافرونكوف، بالقول إن الزخم الإعلامي جراء ما حصل في ريف إدلب هو جزء من الحملة الدعائية ضد الحكومة السورية. وأشار إلى أن بعض بيانات مجلس الأمن تجاه روسيا والصين «غير مقبولة»، مهدداً بعدم الاستماع إلى تلك البيانات إذا تكررت. وكذلك، أكد مندوب الصين أنه «لا يمكن إجبار الصين على التصويت كما يريد الآخرون».
وفي كلمة للقائم بالأعمال بالنيابة لوفد سوريا لدى الأمم المتحدة، منذر منذر، أكد أن الحكومة السورية وجهت أكثر من 90 رسالة إلى الأمم المتحدة «تضمنت معلومات موثقة عن حيازة المجموعات الإرهابية مواد كيميائية سامة وصلت إليها عبر الحكومة التركية بشكل خاص». ورأى أن «المستفيد الأول من استخدام الأسلحة الكيميائية هو الأنظمة التي استهدفت سوريا... وأن فرنسا هي الدولة المسؤولة سياسياً وأخلاقياً عن قصف البنى التحتية وقتل المدنيين».
الهجوم الرسمي السوري المباشر على فرنسا، كانت قد سبقته تصريحات عالية اللهجة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، طالب فيها بفرض «عقوبات» على دمشق، داعياً إلى ردّ فعل دولي يكون «على مستوى جريمة الحرب هذه». وهاجم هولاند «مسؤولين سياسيين، بينهم (سياسيون) في فرنسا، لا يؤيدون ببساطة الحل السياسي الذي نريده، بل اتضح أنهم مؤيدون لنظام الأسد».
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أعلنت قبل الجلسة، أن موسكو ترى مشروع القرار الذي طرح في مجلس الأمن «منحازاً» ضد دمشق. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا، إنه «قد يؤدي إلى تأجيج الوضع المتوتر في سوريا والمنطقة بأكملها»، مشيرة إلى أن «دمشق لا تعارض دخول خبراء من (منظمة حظر الأسلحة الكيميائية) لإجراء تحقيق في الهجمات المفترضة». وأكد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن بلاده «ستواصل وقواتها المسلحة حملتها لدعم العمليات ضد الإرهاب التي تنفذها القوات المسلحة في سوريا لتحرير البلاد».
وبدورها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن «الطيران السوري نفذ ضربة على مستودع كبير لذخائر الإرهابيين وحشداً للمعدات العسكرية على المشارف الشرقية لمدينة خان شيخون»، مضيفاً أن القصف استهدف «منطقة تبين أنها تضم مستودعاً وورشاً تنتج ذخيرة حربية كيميائية». وذكّرت الوزارة بأن مقاتلي المعارضة استخدموا مثل تلك الذخيرة في حلب العام الماضي.
وفي المقابل، دعا وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، كلاً من روسيا وإيران، إلى «الضغط على النظام السوري لوقف عملياته ضد الشعب، وضمان عدم وقوع مثل هذه الهجمات المرعبة مرة أخرى». أما وزارة الخارجية التركية، فقد أوضحت أنها قدمت مذكرتين للسفارتين الروسية والإيرانية في أنقرة بشأن الهجوم في محافظة إدلب، مطالبة إياهما بممارسة دورهما في ضمان وقف إطلاق النار. ومن جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، إن بلاده «تدين بشدة أي استخدام للسلاح الكيميائي، أياً كان المنفذون أو الضحايا». وأكد ضرورة «نزع الأسلحة الكيميائية من الجماعات المسلحة الإرهابية» في سوريا.