الجزائر | يعتقد ناصر جابي، الباحث الجزائري في علم الاجتماعي السياسي، أن طريقة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تجد ما يبررها في خلفيته الثقافية والسياسية، وذلك بحكم انتمائه إلى جيل سابق لا يؤمن بالقيم الديموقراطية الحديثة. ويلفت صاحب كتاب «سنوات بوتفليقة» إلى أن «الأحادية» التي ميزت فترة حكم بوتفليقة، لم تخل في المقابل من بعض الإيجابيات، كعدم لجوء الرئيس إلى العنف من أجل فرض سلطته
■ من أبرز الانتقادات التي توجّه لطريقة الرئيس بوتفليقة في الحكم هي الانفراد بالقرارات. كيف يمكن تفسير ذلك؟
لفهم طريقة حكم بوتفليقة، لا بد من العودة إلى أصوله السياسية. هو ينتمي إلى جيل الحركة الوطنية وثورة التحرير التي حققت استقلال الجزائر، ثم قادت مرحلة بناء الدولة.

هذا الجيل تربى في ثقافة سياسية تميزها الأحادية، وهو بالمحصلة لا يؤمن بالتعددية حتى وإن تظاهر شكلياً بذلك استجابةً للظرف الدولي الذي تغير وأصبح يفرض هذه القيم والمبادئ السياسية الحديثة. لذلك نجد أن بوتفليقة لا يؤمن كثيراً بثقافة الحزب أو البرلمان أو الدستور الذي غيّره ثلاث مرات. هو يؤمن كباقي رجالات عصره، بالفرد الذي بإمكانه وحده إنقاذ البلاد وليس المؤسسات التي تسيرها، ما دفعه إلى إزالة تحديد الولايات الرئاسية في 2008، وفتح المجال أمامه للبقاء في الحكم.

■ كيف انعكس ذلك على طريقة أداء بوتفليقة؟
أعتقد أن الرئيس بوتفليقة بخلفيته الثقافية والسياسية التي شرحتها، اصطدم لدى عودته إلى الحكم بواقع دولي ووطني تغيّر. لذلك يمكن وصف علاقاته بـ«المأزومة»، وهو ما ظهر في كثير من حالات إقالة وزراء أو رؤساء حكومة في عهده. بوتفليقة من الرؤساء الذين يفضلون الولاء الشخصي في عملية التعيين في مناصب المسؤولية، وكل من يشق هذه القاعدة لا يمكنه الاستمرار معه.

■ ما يثار أن خلافاته مع المؤسسة العسكرية هي التي أسست لطريقته هذه في الحكم؟
لا أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي. مشكلة بوتفليقة أنه رُفض أن يكون خليفة للرئيس بومدين بعد وفاته، في حين كان يعتقد أنه هو الأحق بذلك. بعد تلك الحادثة، عاش 20 سنة في ظرف صعب جداً، حيث هدد بالسجن وتعرض هو وعائلته لضغوط كبيرة. هذا ما جعله يستخلص درساً مفاده أنه لا يجب أن يكون خارج السلطة، حتى لا يتكرر ذلك المصير معه. ربما ذلك ما يفسر تشبثه بالسلطة بطريقة مرضية، على الرغم من أنّ الجزائر عرفت قبله رؤساء غادروا المسؤولية وهم على قيد الحياة، مثل الرئيس الشاذلي بن جديد واليامين زروال وعلي كافي.

■ في المقابل، هل يمكن تسجيل إيجابيات في طريقة تسيير بوتفليقة؟

قام الرئيس بإنجازات، لكنها لم تصل
إلى المستوى
المطلوب منه


نعم بالتأكيد. هو لم يلجأ أبداً إلى العنف من أجل حل خلافاته السياسية. لم يستعمل السجن للانتقام أو القتل كطريقة لإبعاد خصومه. هو أيضاً يراعي المجتمع كثيراً، ويراجع نفسه لما يرى إصراراً وتحدياً لقراراته. أبلغ مثال على ذلك، قضية اعترافه بالأمازيغية كلغة رسمية في الدستور الجديد لمّا تيقن أن المطلب وراءه ضغط شعبي يرفض أصحابه الاستسلام، بينما كان موقفه في السابق لما جاء إلى الحكم في 1999 رافضاً لذلك. رؤساء الجزائر في هذا الجانب، حتى بومدين الذي لم يلجأ إلى العنف إلا في حالات نادرة، يختلفون مع غيرهم في العالم العربي، مثل البعثيين أو القذافي وغيرهم.

■ يُحسب للرئيس بوتفليقة استعادته للأمن في الجزائر... هذه أيضاً قد تكون من إيجابياته؟
بوتفليقة لم يبدع في هذا المجال لأن الدولة قبل مجيئه قدمت قانون الرحمة الذي بموجبه نزل الكثير من المسلحين من الجبال، وهو أكمل المسيرة بعد ذلك بقانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية وأعطاهما بعداً سياسياً. أعتقد أن ما ساعد سياسته على النجاح نسبياً في مجال المصالحة، هو أنه لم يكن طرفاً في العنف، فهو كان قد ابتعد عن السياسة بعد وفاة بومدين، ولم يكن فاعلاً خلال الأحداث الدموية التي شهدتها البلاد في التسعينيات.

■ وماذا عن سياسته الخارجية.. هل خضعت لنمط التسيير نفسه في الداخل؟
لم يتطور بوتفليقة في سياسته الخارجية، إذ إنه لا يزال يعتقد أنه الوحيد الذي يعرف العلاقات الدولية والنخب في العالم، وكأنه لا يزال يعيش في الماضي عندما تجده يتكلم عن نيكسون وديغول... لكن الواقع يشير إلى أن العالم تغيّر، وهذه نقطة ضعف ميزت سياسة بوتفليقة الخارجية، لأنه جمّد البعد الدولي للجزائر ولم يتكيف مع المتغيرات، وبذلك ضيّع على الجزائر الكثير من الفرص. البراغماتية التي عرف بها في الداخل لم تظهر في الخارج، فالجزائر تبدو كدولة من بقايا الحرب الباردة لا تزال تحتفظ بالنظرة نفسها لروسيا وفرنسا وأميركا وأفريقيا والعالم العربي... بوتفليقة اعتمد على دبلوماسية العلاقات الشخصية، لكن المشكل الكبير الذي عانت منه الجزائر هو في كون أن الرئيس كان المتحكم في علاقاتها الدولية، ما جعلها تفقد بمرضه الكثير من الثقل خارجياً.

■ يقول أنصار الرئيس إنه في عهده تحقق الكثير من الإنجازات المادية التي استفاد منها المواطنون... ما رأيك؟
كخلاصة، يمكن القول إنّ الرئيس بوتفليقة قام بإنجازات على المستوى المادي وتحقيق بعض المطالب الاجتماعية. لكن المطلوب منه في ظل ما توفر له من أموال جراء فوائض أسعار النفط واستقرار أمني وتغيرات على المستوى الدولي، القيام بإجراءات نوعية من قبيل تغيير النظام السياسي... بيد أنه استمر في السياسة الشعبوية نفسها والنظام الريعي، فيما كان يفترض القيام بعملية انتقال ديموقراطي لم تتم.

■ ما الذي أضاعه هذا الجيل، الذي ينتمي إليه بوتفليقة، على الجزائر في اعتقادك؟
هذا الجيل شكل أصعب عائق في عملية التحوّل بالجزائر. لا بد من عملية انتقال يتم بها تجاوز جيل الحركة الوطنية وحركة التحرير. هذا الانتقال أعتقد أنه يرتبط أساساً بالديموغرافيا السياسية التي تضمن وصول أجيال ما بعد الاستقلال إلى مراكز المسؤولية في الجزائر.