سيناء_القاهرة | من دون مقدمات وعلى نحو مفاجئ، عدّلت الحكومة المصرية قانون تنظيم عمل «الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء»، الأسبوع الماضي، وذلك بتوسيع اختصاصات الجهاز، بصورة كبيرة، مقابل تعديل شروط ملكية الأراضي لتكون لأبناء سيناء، على أن يكونوا من أبوين مصريين، الأمر الذي يخلق مشكلة بالنسبة إلى هؤلاء، نظراً إلى غياب الأوراق الثبوتية اللازمة والمصرّحة عن آبائهم، فضلاً عن الأصول الفلسطينية لعدد منهم.
وقد أسس رئيس الحكومة الأسبق، كمال الجنزوري، الجهاز في عام 2012، للإشراف على عملية التنمية في سيناء، على أن يكون جهازاً اقتصادياً تابعاً للدولة ويحصل على دعم هيئات دولية، وترأسه اللواء شوقي رشوان مدير المخابرات الحربية في شمال سيناء، على مدى نحو عشر سنوات، قبل خروجه من القوات المسلّحة.
لا سجل مدنياً ولا
شهادات مواليد لدى كثير
من أهالي سيناء

عملياً، لم يقم الجهاز بأي تنمية حقيقية في شمال أو جنوب سيناء، بداعي غياب البنية التحتية، خصوصاً أنه يباشر عمله من القاهرة، في حين أن المبنى الفخم الذي جرى بناؤه ليكون مقراً له على مدخل مدينة شمال سيناء، لم يُستخدم بعد.
ولم تضع التعديلات القانونية الجديدة ــ التي اقتصرت في مجملها على تنظيم تملّك الأراضي في سيناء ــ حلولاً لمشكلة وضع اليد، ذلك أن «العرب» يسيطرون على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال سيناء، وهو ما يعيق عمليّات التنمية التي تعلنها الدولة، من بينها مثلاً المنطقة الصناعية في مدينة بئر العبد، التي تم إيصال المرافق إلى أكثر من نصف مساحتها، في حين لم تنجح الحكومة في تسويقها بسبب وضع أبناء القبائل أيديهم عليها.
وقد حدّد القانون تملّك الأراضي على أساس نظام حق الانتفاع ليكون 50 عاماً بدلاً من 30 عاماً في القانون القديم، مع إمكانية توريثها، لتصل بذلك إلى 75 عاماً. وقد منحت التعديلات رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة لتحديد استثناءات الاستثمار في المنطقة، وأخرجت مشاريع التنمية الخاصة بمحور قناة السويس من تطبيق هذه القوانين، الأمر الذي يزيد عزلة شمال سيناء في إطار عمليات التنمية، واقتصارها على الجنوب في النشاط السياحي.
يقول أحد رموز ومشايخ قبيلة السواركة في شمال سيناء الشيخ عارف أبو عكر، إن «الجهاز الوطني لتنمية سيناء لم يقم بأي عمل (في سيناء) منذ تأسيسه في عام 2012، ولم يكن هناك أي تنمية على أرض الواقع»، مضيفاً أنه «لن تكون هناك تنمية من دون عودة الأمن». ويؤكد أن «سيناء يجب ألا تدار من الغرف المغلقة والمكيّفة في القاهرة، ولا بدّ من أن يستطلع المسؤولون رأي المواطنين الذين يعيشون فيها».
ويرى أبو عكر أن كل التعديلات على القانون «تصبّ في مصلحة المستثمرين، وليس لها أي فائدة لأبناء سيناء»، مضيفاً: «أملك أرضاً توارثها أجدادي، منذ 485 عاماً، وليس معي عقد تملّك خاص بها، وأتحدى أي مواطن أن يخرج ويقول إنه يملك عقد أرض، منذ ذلك الوقت».
كذلك الأمر لدى الشيخ حسن خلف الذي يعدّ من أحد أبرز رموز السواركة في سيناء، أيضاً، فقد أعرب عن رفضه فكرة أن يكون من له حقّ التملك هو من أبوين مصريين فقط، متسائلاً، في هذا الإطار، «لو أن لدينا مصرياً متزوجاً من فلسطينية، وهذا الأمر منتشر بكثرة في سيناء، فما ذنب أبنائه حتى يُمنع عنهم حق التملك؟». يضيف خلف أن «الحديث عن تنمية في ظل الإرهاب هو نوع من الضحك على الذقون، فالتنمية يتم القضاء عليها بالإرهاب».
وفي حين يشير إلى أنه «من أشد المؤيدين للقوات المسلّحة»، يتحفظ في الوقت نفسه على «البطء الشديد في مكافحة الإرهاب في سيناء». وفي هذا المجال، يذكر أن «أجهزة الأمن بطيئة، رغم الخطوات الصحيحة التي تقوم بها، وهناك حلقة مفقودة في محاربة الإرهاب لا يستطيع أحد فهمها»، مطالباً بأن «تكون هناك جهة واحدة تتولى إصدار التراخيص للمستثمرين، كي لا يقعوا فريسة للبيروقراطية».
في غضون ذلك، أعلن شيخ قبيلة الارميلات البرلماني السيناوي الأسبق، عيسى الخرافين، أنه سيطعن في تعديلات القانون، موضحاً أن «جهاز تنمية سيناء لا بدّ أن يكون رئيسه بدرجة وزير كي يستطيع اتخاذ القرار، فكل القيود التي تحيط بالجهاز تجعله بلا قيمة». ويطالب بأن «تتخذ الدولة إجراءات فعالة وحقيقية في ملف تملّك أبناء سيناء أراضيهم ومنازلهم، وتطبيق ما يحدث في سائر أنحاء مصر عليهم».
الخرافين يوضح، أيضاً، أن «شرط تملّك الأراضي في كون الشخص من أبوين مصريين يخلق عقدة كبيرة، لأنه لا يوجد سجل مدني ولا شهادات مواليد ولا غيره لدى الكثير من أهالي سيناء، الذين يعيشون حياة البداوة في الجبل، ذلك أن المنطقة بقيت مهمشة، مدة طويلة، ولا يملك أهلها مستندات تثبت أنهم مصريون».
من ناحية أخرى، يشدّد على أن «أي مستثمر لن يدخل سيناء من دون عودة الاستقرار والأمن إليها، ففي ظل الوضع القائم سيبقى اهتمام المستثمرين منصباً على مناطق السويس والتفريعة ومحور تنمية القناة، ولن يدخلوا شمال سيناء».