الجزائر | مثّل اختيار عبد المومن ولد قدور مديراً عاماً جديداً للشركة البترولية الجزائرية «سوناطراك»، صدمةً لدى الرأي العام الوطني، بعدما اتُّهم في السابق في أخطر قضايا الفساد التي مسّت القطاع البترولي. ولا يخرج هذا الاختيار، وفق العديد من القراءات، عن جوّ تصفية حسابات داخل منظومة الحكم في الجزائر.
وأعلنت شركة سوناطراك الجزائرية، إعفاء مديرها العام الحالي، أمين معزوزي، بعد سنتين قضاهما على رأس هذه الشركة التي تضمن 98 بالمئة من صادرات البلاد. هذا الخبر كاد يكون عادياً في الجزائر التي تعودت تغيير مديري شركتها الأم، إلا أنه تحول إلى حدث بعد اكتشاف الجزائريين لاسم المدير الجديد، وهو عبد المومن ولد قدور، الذي شغل في السابق مديراً عاماً لشركة جزائرية أميركية. ولوحق وقتها بتهم فساد، ووصل الأمر إلى حد اتهامه بالتخابر.
تعود فصول قضية ولد قدور، إلى سنوات 2003 حتى 2007، حين كان يشغل وقتها منصب مدير شركة «براون أند روث كوندور» المعروفة اختصاراً بـ«بي أر سي»، وهي شركة مختلطة جزائرية أميركية ناتجة من شراكة أُقيمت بين «سوناطراك» وأحد فروع شركة «هاليبرتون» الأميركية، التي يُقال إنها ملك لنائب الرئيس الأميركي السابق، ديك تشيني. وقد فازت هذه الشركة المتخصصة في الإنشاءات والهندسة، بالعديد من المشاريع حينها، إلا أن التحقيقات كشفت في ما بعد، تضخيمها للفواتير، واستيلاءها على ملايين الدينارات، من أموال الصفقات العمومية، ما أدى إلى حلها في سنة 2007، ومتابعة مسؤوليها بتهم تتعلق بالفساد.

اللافت في تعيين ولد قدور هو العودة القوية لكل المتهمين بقضايا فساد


غير أن اللافت في شخص ولد قدور، أنه لوحق بتهم أخرى خطيرة على علاقة بالأمن القومي للبلاد. ففي شهر سبتمبر/ أيلول من سنة 2007، واجه المعني «حكماً قضائياً عسكرياً في محكمة البليدة برفقة ضابطين في الأمن العسكري ومدير وكالة للتأمين بالإضافة إلى أشخاص آخرين، بتهمة المساس بأمن الدولة وتسريب وثائق سرية خاصة بالأمن العسكري»، ما أدى إلى إصدار حكم بالسجن 30 شهراً في حقه قبل أن يستفيد سنة 2009 من إفراج مشروط.
وقد انفجرت تلك الفضيحة بعد اكتشاف المصالح الأمنية المختصة، أنَّ ضابطاً عسكرياً كان وراء سرقة وتسريب وثائق سرية للغاية وتقديمها لولد قدور من طريق صاحب وكالة التأمين الذي كان قد استفاد هو الآخر من عقود تأمين مختلف الصفقات الضخمة لشركة «بي أر سي»، وقد توصلت عملية تفتيش منزل الضابط إلى العثور على العديد من الوثائق السرية. كذلك صُوِّر مرات عدة وهو برفقة ولد قدور وصاحب وكالة التأمين.
وتشير قراءات في الجزائر إلى أنَّ تعيين ولد قدور على رأس «سوناطراك»، تظهر فيه بصمة وزير الطاقة السابق شكيب خليل الذي كانت تربطه به علاقات جيدة، لأنه كان يشتغل في فترة إشرافه على الوزارة. ومعروف عن خليل أنه كان من أشد المقربين إلى الرئيس بوتفليقة، قبل إطاحته من وزارة الطاقة سنة 2010. ثم لوحِق بتهم تتعلق بالفساد، وأُصدرت في حقه مذكرة توقيف دولية، إلا أنها لم تفعَّل. لكن الوزير السابق، قبل نحو سنة، عاد إلى الجزائر، بعد إعادة تأهيله، من دون أي كشف لمصير القضايا التي كانت تلاحقه، وانخرط الوزير منذ ذلك الوقت في ما يشبه الحملة الانتخابية، يجوب الزوايا الدينية بالبلاد، ويلقي المحاضرات، حتى اعتقد البعض أنه هو المرشح لخلافة الرئيس بوتفليقة.
وعلى الرغم من تقليل شكيب خليل لتحركاته وعدم تعيينه في أي منصب رسمي إلى الآن، لا تتوقف الشائعات بشأن إمكانية عودته إلى مركز مسؤول. وتتحدث تحليلات عن أن الرجل لا يزال نافذاً في الظل وصاحب كلمة في المحيط الرئاسي بحكم قربه الشديد من عائلة الرئيس بوتفليقة. لكن هذه الأخبار تظل في دائرة التخمينات، لكون الرجل يُبدي تحفظاً كبيراً على التصريح بعلاقاته لوسائل الإعلام التي يكتفي بالظهور فيها، مقدماً تحليلات عن سوق النفط باعتباره من المتخصصين في المجال.
غير أنَّ اللافت في قصة تعيين ولد قدور واحتمال أن يكون شكيب خليل وراء ذلك، هو العودة القوية لكل الذين قادوا جهاز المخابرات السابق وأُجريَت تحقيقات بشأن تورطهم في قضايا فساد، ما يجعل هذه العودة أقرب إلى تصفية حسابات داخل منظومة الحكم بالبلاد، وفق ما تشير تحاليل صحفية. وكان الرئيس بوتفليقة، قد قاد أكبر عملية إعادة هيكلة في هذا الجهاز، في العامين الماضيين، انتهت إلى تنحية الفريق محمد مدين المدعو توفيق، الذي ظل الرجل القوي في الجزائر لمدة قاربت 25 سنة.