صعدة ــ الأخبارفي الأسابيع الماضية، توسعت خريطة الاستهداف، الذي ينفذه طيران تحالف العدوان، لتشمل الأحياء المدنية والأسواق الشعبية والطرقات العامة في محافظة صعدة، شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء، وكذلك المناطق التي تمثّل نقاط تجمع لآلاف النازحين الفارين من المديريات والقُرى الحدودية التي باتت خالية تقريباً من كل مظاهر الحياة. وتنتشر حالياً مئات القنابل العنقودية والأجسام الحربية القابلة للانفجار وسط أحياء مدينة صعدة.

منذ مطلع الشهر الجاري، قُتل ما لا يقل عن 45 مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال، في الغارات التي شنها طيران العدوان (الذي تقوده السعودية) مستخدماً القنابل العنقودية، على أحياء صعدة. كما تواصل سقوط هذا النوع من القنابل على المديريات الحدودية يومياً، ومناطق متفرقة في الأطراف الجنوبية للمحافظة ووسطها. ومن ضمن الضحايا، أسرة نازحة من الرعاة استشهد ثلاثة من أفرادها وجرح أربعة آخرون، إثر استهداف طائرات العدوان بيتهم المصنوع من سعف النخيل وأوراق الشجر الأخرى.
في حديث إلى «الأخبار»، قال مصدر طبي في صعدة إن معظم المجازر التي يرتكبها «التحالف» تقع في مناطق «بعيدة ومعزولة يتعذر وصول سيارات الإسعاف والطواقم الطبية (المحدودوة أصلاً) إليها نتيجة الخراب الكبير الذي لحق بالبنى التحتية». وأضاف المصدر أن الجرحى من الأُسر البدوية «نقلوا عبر سيارة تابعة لوسيلة إعلامية ذهبت لتصوير الموقع المستهدف وفوجئت بوجودهم هناك»، متابعاً أن الجرحى «نزفوا لأكثر من 24 ساعة في موقع الجريمة، الذي كان مليئاً بالقنابل العنقودية».

بعد قصف
المستشفيات في صعدة تُنقل الإصابات إلى محافظات أخرى

ونشرت «منظمة العفو الدولية» تقريراً في التاسع من الشهر الجاري اتهمت فيه قوات «التحالف» باستعمال قنابل عنقودية محظورة في مناطق وسط صعدة. وأشار التقرير إلى أن المنظمة لديها «أدلة جديدة» تثبت استخدام طائرات العدوان «صواريخ برازيلية الصنع تحتوي على ذخائر عنقودية محظورة... في قصفها ثلاث مناطق سكنية وأراضي زراعية محيطة وسط مدينة صعدة، ما أدى إلى جرح مدنيين والتسبب في أضرار مادية».
واستندت المنظمة على مقابلات أجرتها مع «ثمانية أشخاص مقيمين في المواقع التي تعرضت للقصف»، وكذلك على «صور فوتوغرافية وأشرطة فيديو قدمها المركز اليمني التنفيذي للتعامل مع الألغام، وهو مرصد يمني فحص الموقع خلال 30 دقيقة من الهجوم». ووفق المركز، ضربت الصواريخ مناطق قُحزة والضباط والروضة السكنية، وأدى القصف إلى سقوط قنابل على البيوت في المعلّا وأحفاد بلال، وكذلك المقبرتين الجديدة والقديمة وسط المدينة، والمزارع المجاورة».
جراء ذلك، دعت «العفو الدولية» البرازيل إلى الانضمام إلى «الاتفاقية الدولية لحظر القنابل العنقودية»، بعدما تبيّن أن نوع الصواريخ المُستخدم من طراز «آستورس 2» الذي تصنعه شركة «أفيبراس» البرازيلية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها «التحالف» هذا النوع من الذخائر، إذ نشرت عدّة منظمات تقارير حول استخدام القنابل العنقودية البرازيلية في أكثر من غارة، كان آخرها على منطقة العبدين في مديرية سحار (إحدى مديريات صعدة) في أواخر كانون الثاني.
كذلك، اتهمت «هيومن رايتس ووتش»، تحالف العدوان باستخدام هذه القنابل قرب مدرستين في صعدة، في كانون الأول الماضي، وذلك بعد يوم واحد على رفض البرازيل والسعودية والولايات المتحدة التصويت على حظر هذه الأسلحة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
في سياق الانتهاكات الإنسانية التي يرتكبها «التحالف» بحق أهالي المحافظات الحدودية، أشار مصدر طبّي إلى «انتشار واسع لمجموعة من الأمراض الخطيرة، ولا سيما الجلدية، التي يرجّح أن تكون ناجمة عن الأسلحة الكيماوية التي يستخدمها العدوان».
وأكّد المصدر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الجهات الصحية في صعدة سبق وأطلقت نداءات استغاثة بهذا الخصوص لكنها لم تلقَ أي تفاعل إيجابي من أي طرف دولي»، مضيفاً: «معظم الحالات باتت تُرحّل إلى محافظات أخرى نتيجة تدمير معظم المستشفيات والمراكز الصحية في صعدة وحجة... فضلاً عن إغلاق منظمّة أطباء بلا حدود مراكزها الطبية إثر تكرر استهدافها من الطيران السعودي».
وفي الأيام القليلة الماضية، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور تظهر تفشي أمراض جلدية في المديريات الحدودية في صعدة. وتأتي هذه الصور في سياق حملة ينفذها عدد من الناشطين على «تويتر» منذ مطلع العام تحت عنوان «صعدة محافظة يعدمها التحالف»، وتهدف إلى «إيصال صوت الشعب اليمني المعزول ومعاناته إلى الرأي العام العالمي».
وكان المدير العام لمكافحة الأمراض في وزارة الصحة عبد الحكيم الكحلاني، قد أكّد أن صعدة تعاني غياب الأدوية والأجهزة الطبية نتيجة الحصار، فيما قال وكيل مدير مكتب الصحة العامة والسكان في صعدة عبد الإله العزي، إن «جميع مستشفيات المحافظة توقفت عن العمل باستثناء مستشفى واحد».
تعليقاً على مواصلة «التحالف» استعمال هذه القنابل، قالت مديرة قسم البحوث في المكتب الإقليمي لمنظمة «العفو الدولية» في بيروت لين معلوف، مطلع الشهر الجاري، إن «التحالف يحاول عبثاً تبرير استعماله الذخائر العنقودية... رغم الأدلة الملموسة على سقوط ضحايا من المدنيين»، مؤكدة أن «هذه القنابل بحكم طبيعتها غير تمييزية... إن استعمالها محظور بموجب القانون الإنساني الدولي العرفي».
وكانت السعودية قد اعترفت أواخر 2016 بأنها استخدمت قنابل عنقودية «بكميات محدودة وعلى أهداف عسكرية»، وادعت أنها «ستتوقف عن استخدامها». وتحتوي القنابل العنقودية على ما بين عشرات ومئات الذخائر الصغيرة، قسم منها ينفجر في الهواء وينتشر عشوائياً، وقسم آخر، وهو الأكبر، لا ينفجر ويتحول بذلك إلى ألغام أرضية تهدد المدنيين.
ووفق تقرير نشرته «العفو الدولية» العام الماضي، فإن «الأطفال وأهاليهم ممن عادوا إلى بيوتهم في شمال اليمن معرّضون بشدة لخطر الإصابة الجسيمة أو الموت بسبب آلاف القنابل العنقودية التي ألقتها قوات التحالف ولم تنفجر». ومنذ بدء العدوان في 25 آذار 2015، وثَّقت المنظمة استخدام «التحالف» ستة أنواع من الذخائر العنقودية في اليمن، أميركية وبريطانية وبرازيلية الصنع.