في بداية الأسبوع الجاري، اخترع محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، الذي يحسن «نقل السلاح من كتف إلى كتف»، مناسبة ليطلق عبرها نظريات استراتيجية لم تخطر في بال أحد من أبناء الجنوب اليمني، كما أنه لم يسبقه فيها أحد حتى في فترة عزّ جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية أيام الرؤساء الأقوياء، ساليمن (سالم ربيع علي)، وعلي ناصر محمد، وسالم البيض وغيرهم.
الزبيدي رأى أن التجارب أثبتت أن المصالح الجنوبية تمثل جزءاً أصيلاً من منظومة الأمن القومي العربي، لذلك، فإن «انضمامنا إلى جوار أشقائنا في المخا هو موقف طبيعي لتلبية واجبنا العروبي ومقتضيات أمننا الذاتي».
وأضاف إنه في المنظار الاستراتيجي، فإن «معارك الرمح الذهبي تعكس حاجة جنوبية ملحة لتأمين الخاصرة الغربية ومضيق باب المندب، الذي يمنح الجنوب وعدن أهميتهما الجيواستراتيجية».
تجدر الإشارة إلى أن جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (جنوب اليمن) منذ الاستقلال عام 1967 كانت ضمن المنظومة الاشتراكية، فيما كانت دول الخليج ولا تزال في المنظومة الغربية، والتاريخ بينهما مليء بالصراعات الحدودية. وقد شنت الرياض على أراضي الجنوب ثلاث حروب، اقتطعت خلالها مساحات واسعة من أراضيها؛ أبرزها منطقة الشرورة والوديعة وغيرها.

بلع الناشطون والإعلاميون الجنوبيون المؤيدون
للتحالف ألسنتهم

بيان الزبيدي جاء من الرياض لتبرير إخفاق الهجمات التي شنتها قواته المدعومة من الإمارات، بالإضافة إلى وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوفها، وكمحاولة لامتصاص حالة الغضب التي قد تحدث عند أهالي القتلى والمفقودين. كما أن البيان يأتي بعد مدة لم يتسنّ لها الاستمرار طويلاً من التمجيد والافتخار بالمقاتل الجنوبي الذي زج في معارك الشمال اليمني والجنوب السعودي.
في المقابل، بلع الناشطون والإعلاميون الجنوبيون المؤيدون للتحالف العربي ألسنتهم، وغابوا عن المشهد، بعدما عمدوا خلال أسابيع إلى بيع الأوهام للجنوبيين عن انتصارات وهمية حققها مقاتلوهم على ما سموه العدو الفارسي في الشمال، مع العلم بأن جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (سابقاً) ثم الأحزاب والتيارات اليمنية وعلى رأسها «الحراك الجنوبي» استمرت في تمتين العلاقات التاريخية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في وقت كانت فيه الدولة اليمنية في الشمال إلى الجانب المعادي لها.
مرت هزيمة الألوية العسكرية وعلى رأسها لواء الحزم الأول، شرق المخا، وفقدان إحدى كتائبه بأكملها وسقوط مئات الضباط والجنود بين قتيل وأسير ومفقود مرور الكرام، واستطاعت الجوقة الإعلامية المهتمة بتضليل الرأي العام الجنوبي تحويل الاهتمام عن كارثة قتل وجرح وأسر وفقدان الأبناء في المعارك إلى قضايا سخيفة لا تستحق الذكر حتى في الحالات العادية.
لم يعد للهزيمة المدوية للألوية وللفصائل العسكرية الجنوبية، المستقطبة والعاملة تحت إمرة دول الخليج المشاركة في الحرب على اليمن، أي معنى عسكري أو قانوني أو أخلاقي في سياق الحرب الدائرة يستدعي ما تقدم عليه الجيوش عادة عند الوقوع في خطأ الحسابات العسكرية من قبيل التحقيق لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الكم من الخسائر من دون أي مردود عسكري أو سياسي، مع الإشارة إلى أن التحقيقات تجرى في أحسن الأحوال من أجل إعادة التقييم والاستفادة من العبر وأخذ الدروس للمراحل المقبلة، وهذا لم يحدث في تاريخ الجيوش العربية العصرية.
الفقدان القيمي والأخلاقي والشرف العسكري للقيادة العسكرية التابعة لقوات الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، المدعوم سعودياً، أو للجانب المدعوم من الإمارات، مرده أن القادة الجدد في جنوب اليمن، الذين تم اختيارهم وفق موافقتهم المسبقة على أجندات الخليج بعدما ضمنوا ولاءاتهم وأغروهم بأرصدة هائلة في بنوكهم وأمّنوا لهم قصوراً مشيدة في عواصمهم، بالإضافة إلى تمكينهم من ثروات الجنوب وخيراته، صاروا فجأة منظرين في العلم الاستراتيجي والجيو ــ سياسي، وفي الأمن القومي العربي والدولي. في هذه الحالة، يجب الترفع عندهم عن النظر إلى صغائر الأمور في ظل الوضع الاستراتيجي الذي يهدد الأمن القومي العربي بالعموم والخليجي بالخصوص!
وقد علق أحد الكتاب البارزين عن الحالة المزرية التي وصلت إليها البلاد بالقول، إن المطلوب من كبار الإعلاميين والناشطين أن يواصلوا مسلسل الكذب على الناس المقهورة (عبر) منشور تخديري صباحاً، وآخر عصراً، وقبل النوم يخدّرهم بمنشور أخير، ثم تحسس جيبك آخر الشهر، مضيفاً إنه في الجنوب وحده اليوم تأكل الناس منشورات الوهم والضياع.
بالعودة إلى بيان الزبيدي، الذي ختم جازماً وبيقين تام أن أمن عدن جزء لا يتجزأ عن أمن الرياض وأبو ظبي. فإذا كان بالفعل أمن عدن مرتبطاً بأمن الرياض وأبو ظبي، لماذا إذاً يموت الناس جوعاً في الجنوب منذ عامين أمام مراكز البريد، في حين أن خزائن الخليج مملوءة، ومواطنيهم يعيشون الدعة والسعة والوفرة؟ ولماذا لا ترتبط كهرباء عدن وبقية مدن ومحافظات الجنوب بكهرباء السعودية والإمارات؟ ولماذا لا تعمد الدول، التي يقاتل من أجلها الزبيدي، إلى التحرك لإصلاح ما دمرته قواتهم في عدن وبقية المحافظات، أو على الأقل المساهمة في دفع العجلة الاقتصادية وتوفير سبل الحياة في البلاد؟ إذا كان الزبيدي يفهم شروط الردع الاستباقي والنظريات الاستراتيجية، فإن الحري به ألا يحرّف التاريخ والوقائع. وعليه في هذه الحالة أن يقنع حليفته الرياض قبل أي شيء بأن أهل جنوب اليمن ليسوا أهل ردة وشرك.