نيويورك | وصلت مباحثات جنيف اليمنية إلى طريق مسدود بسبب الصيغة التي فرضتها الرياض على المبعوث الدولي، إسماعيل ولد الشيخ. صيغة تقضي بحصر تمثيل الأحزاب اليمنية بسبعة أشخاص، فيما عددهم الفعلي عشرون ممثلاً عن ١٣ حزباً.وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تبنى فيه تنظيم «داعش»، في بيان نشرته مواقع إسلامية، الهجمات التي استهدفت في صنعاء، أمس، ثلاثة مساجد ومقراً سياسياً لحركة «أنصار الله»، ما أدى إلى مقتل 31 شخصاً، على الأقل، وإصابة العشرات. وكان التنظيم قد تبنى في آذار هجمات انتحارية استهدفت مساجد في صنعاء وأدت إلى مقتل 142 شخصاً.

وعن تطورات مؤتمر جنيف، أكدت مصادر تحدثت إلى «الأخبار» أن المبعوث الدولي قدّم تعهدات، بشكل رسمي، لسفراء خليجيين في اجتماعات عقدها «تحت جنح الظلام» في جنيف، وكان من بين الحاضرين الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني. وتقضي التعهدات بأن لا يسمح لوفد الأحزاب الآتي من صنعاء بدخول مقر الأمم المتحدة «إلا إذا انصاعوا لطلب تمثيلهم على النحو الذي قدمته الرياض». ونُقل عن ولد الشيخ التأكيد حرفياً: «لن يدخلوا مقر الأمم المتحدة إلا إذا قبلوا بصيغة السبعة زائداً ٣».
وفد صنعاء متوجهاً
لولد الشيخ: لا حاجة لنا لأن
نتحاور من خلالك

الغاية من هذا الإصرار هو أن يكون هناك «وفد حكومي» مقابل وفد «المعارضة»، أي أن يكون ولد الشيخ قد كسب بذلك اعتراف المعارضة بشرعية الحكومة المشكلة في الرياض بقيادة الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي، ويكون قد حكَمَ على الأحزاب الأخرى بأن تبقى مجرد أطراف متمرّدة على الشرعية.
حاول المبعوث الدولي الذي كان يزور فريق صنعاء في مقرّ إقامتهم في الفندق زرع الشقاق بينهم بهدف التفريق، لكنه قوبل بالرفض الشديد. حتى أنّ الحاضرين كانوا يصرّون في كل مرة يزورهم فيها على الاجتماع به معاً. وحصل بينهم وبينه شجار كلامي، إذ أعربوا له عن سخطهم الشديد على مواقفه وتصرفاته وعلى الإذلال الذي تعرضوا له في رحلتهم من جيبوتي إلى جنيف، وسألوه: «هل تمثل السعودية أم تمثل الأمم المتحدة؟». واعتبروا أنه إذا كان يمثل السعودية، فإنهم لا يحتاجون لجهوده لأنهم يستطيعون التحاور مباشرةً مع السعودية. ونقلت مصادر شاركت في اجتماعات جنيف توجه أعضاء في الوفد إلى ولد الشيخ بالقول: «لا حاجة لنا لأن نتحاور من خلالك». واتهم الوفد المبعوث الدولي بأنه يتعامل معهم بإجحاف ومن دون حيادية؛ أمرٌ يجعل ربما مستقبل مهمته مستحيلاً لأنه لن يكون وسيطاً مقبولاً في صنعاء في المستقبل.
وإزاء الطريق المسدود الذي بلغته المفاوضات، تتجه الأطراف جميعها إلى قبول تمديد الاجتماعات حتى يوم السبت، وبات هذا في حكم المؤكد. أطراف صنعاء قبلت التمديد كي لا تتهم بعرقلة المباحثات. والجانب السعودي الذي قدم إلى جنيف متوقعاً عزوف «أنصار الله» عن المشاركة، فوجئ بإصرار الحركة على الحضور. وقد عمل على تعطيل مجيء الوفد بكل السبل، بما في ذلك عرقلة وصول رحلتهم الجوية. حتى بات الحضور إلى جنيف برغم عدم الاجتماع مع الأمين العام، بان كي مون، ودخول مبنى الأمم المتحدة، إنجازاً لكونه أجهض مؤتمر الرياض كلياً.
وفي المقابل، يعاني فريق الرياض غير المتجانس في الأساس، من انقسامات ومن مشاكل حادة بين أعضائه. فهم لا يملكون حرية التعبير عن مواقفهم ويدركون عبثية الغارات الجوية وتأثيراتها السلبية شعبياً عليهم في اليمن، لكن الأوامر تأتيهم من مدير مكتب هادي، أحمد بن مبارك، الذي تحوّل إلى موظف لدى السلطات السعودية. كثيرون من «فريق الرياض» يشعرون بأن هادي بات أسير السعودية لأن عودته إلى اليمن باتت في حكم الملغاة، بالتزامن مع عجزهم عن الموافقة على مواقف وزير الخارجية، رياض ياسين، الرافضة للهدنة في رمضان، لأن قبائلهم ستنبذهم على موقف كهذا.
من جهة أخرى، دافعت الأمانة العامة للأمم المتحدة عن الصيغة المتبعة التي اختارها ولد الشيخ في التمثيل في مشاورات جنيف، وفسرت كذلك سبب مشاركة عبد الوهاب الحميقاني في وفد الرياض بأن ذلك يتوقف على موقف أعضاء مجلس الأمن الدولي. وفي حديث إلى «الأخبار»، أوضح المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، أنّه يرجع إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي وضع الأشخاص على القوائم المختلفة وما إذا كانوا يخضعون لحظر السفر أو غير ذلك. وأضاف حق: «لم نكن نحن الطرف المسؤول عن اختيار أي من أعضاء الوفود للحضور. الطرفان هما اختارا الأعضاء».
وحول كيفية تمثيل ١٣ حزباً يمنياً من خلال ٧ مندوبين فقط، قال إنّ «هذه هي الصيغة التي يعتقد إسماعيل ولد شيخ أحمد أنها ستكون مجدية». وفي السياق، استفسرت «الأخبار» عن طلب وفد أحزاب صنعاء الذهاب إلى نيويورك لمقابلة الأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الدولي بعدما حرموا الفرصة بسبب التأخير في وصولهم إلى جنيف ــ ولا سيما إذا ما فشلت مباحثات جنيف ــ فأجاب المتحدث الرسمي: دعونا لا نتنبأ بما سيحدث بالنسبة إلى فشل جنيف. المشاورات مستمرة وما نركز عليه حالياً هو ضمان استمرار المشاورات وبقاء الأطراف في جنيف والحوار مع إسماعيل ولد الشيخ، ومع بعضهم البعض كما نأمل، ثم ننظر في كيفية جعل عملية التشاور تمضي قدماً.
في هذ الوقت (الأخبار)، قال دبلوماسي غربي يتابع المباحثات إن «النقطة الايجابية الوحيدة هي استمرار المفاوضات وعدم انسحاب أي وفد»، فيما اعتبر ولد الشيخ أن وجود الوفدين الخصمين في مدينة واحدة، ولو في فندقين منفصلين، «انجاز» في حد ذاته.
وفي الأثناء، اعتبر أعضاء «وفد صنعاء» أن الكرة في ملعب المبعوث الدولي، وقال العديد منهم: «نحن ننتظر رد الأمم المتحدة على طلباتنا». ورأت ممثلة حزب «المؤتمر الشعبي العام»، فائقة سيد، أن مسألة عدد أعضاء الوفد ليست إشكالية «لكن طلبنا الأساسي هو أن تعتبر الأمم المتحدة هذه المباحثات مشاورات بين مختلف الأطراف اليمنية وليس بين معسكرين اثنين».
من جهة أخرى، نقلت وكالة «رويترز» عن رياض ياسين قوله إن المحادثات «لم تحقق أي تقدم»، مجدداً المطالبة بـ»انسحاب الحوثيين من جميع المحافظات لإبرام وقف لإطلاق النار أو هدنة عملاً بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216».
وكان «وفد الرياض» قد اجتمع صباح أمس، مع مجموعة من 16 دبلوماسياً من الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي يتابعون المفاوضات.