القاهرة | تحاول الحكومة المصرية اعتماد آخر ميزانية من دون رقابة برلمانية، في محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع على الاقتصاديين المصريين، وبلا مناقشة أو سجلات متعلقة بخفض العجز إلى 10% من الناتج المالي، فيما تشير الأرقام إلى أن العجز قد يتجاوز هذا الرقم إذا نفذت الحكومة تعهداتها السابقة بخفض ميزانية دعم الطاقة، التي رُصد لها في الموازنة المنتهية نحو 100.3 مليار جنيه (1 دولار = 7.6 جنيهات).
ويبدي سياسيون مصريون انتقادات واسعة للحكومة، بسبب غياب الشفافية بشأن إعلان الموازنة والزيادات التي طرأت عليها والعجز فيها، ولغياب أي أرقام واضحة حول بنود الموازنة، حتى الآن، باستثناء تصريح بعض الوزارات عن ميزانيات جهات محدّدة في هيئاتها، من بينها وزارة الإسكان التي أعلنت تخصيص خمسة مليارات جنيه من الموازنة الجديدة لتوصيل المرافق إلى أرض العاصمة الجديدة، وهي التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي سابقاً، ومن المفترض تنفيذها عبر شركات إماراتية.
بالعودة إلى الموازنة العامة، فإن الدستور يلزم الحكومة إقرارها قبل 30 حزيران من كل عام، واعتمادها من رئيس الجمهورية، وإن لم يحصل ذلك، يبدأ العمل بموازنة العام المالي المنتهي إلى حين إقرار الموازنة الجديدة.
وعلى عكس السنوات السابقة، لم تعلن قيمة العلاوة الدورية التي سيحصل عليها العاملون في القطاع الرسمي، وحدّدها القانون بـ7%، بينما جرت العادة أن يرفعها رئيس الجمهورية لتكون 10% من الأجر الأساسي. هذه العلاوة كان يعلن رئيس الجمهورية قيمة زياداتها في عيد العمال، ولكن السيسي كسر هذا التقليد، كما من المتوقع الإبقاء على النسبة التي حدّدها القانون ضمن الإجراءات التقشفية التي تتخذها الحكومة لتقليص عجز الموازنة.

زيادة مخصصات الجهات السيادية لا يسمح بمناقشة تفاصيلها

ويفترض أن لا تشمل الموازنة الجديدة أي مخصصات مالية من أجل توفير فرص عمل للشباب، وذلك وفق تأكيدات رئيس الحكومة إبراهيم محلب، الذي قال إنه لا توجد لدى الحكومة وظائف جديدة.
وستشمل الموازنة زيادة المخصصات المالية لرئاسة الجمهورية، نظراً إلى الجولات الخارجية التي يقوم بها السيسي، إضافة إلى الزيادة الدورية في رواتب العاملين في الرئاسة من كبار الموظفين، والزيادات المخصصة للقوات المسلّحة لشراء أسلحة جديدة، علماً بأن زيادة مخصصات الجهات السيادية التي تأتي كرقم واحد لا يسمح بمناقشة تفاصيلها.
وتبدي القاهرة جهوداً مضنية لخفض عجز الموازنة أملاً في تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، منذ إطاحة نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك في 25 كانون الثاني 2011. وقد تفاقم عجز الموازنة، في السنوات الأخيرة، عبر اتخاذ إجراءات تقشفية يتوقع أن يكون لها أثر في الشارع المصري، خصوصاً أن خفض الدعم على الطاقة والكهرباء سيؤدي إلى زيادة جديدة في أسعار المواصلات والبنزين والسولار، بالإضافة إلى زيادة أسعار غالبية شرائح الكهرباء مرة أخرى، وهي الزيادة الثانية في أقل من عام، بعد تلك التي اعتُمدت في رمضان الماضي.
وتراهن الحكومة على تمرير جزء من الزيادات الجديدة، خلال رمضان الجاري، خصوصاً في أسعار الكهرباء التي لا يشعر المواطنون بتحريكها، فعلياً، إلا مع صدور الفواتير الجديدة، الأمر الذي أدى إلى تأجيل الانتهاء من مشروع الموازنة حتى الآن.
وهذه هي المرة الأولى منذ «ثورة يناير»، التي يتأخر فيها خروج الموازنة إلى ما قبل أقل من أسبوعين على بدء تطبيقها. كان يتوقع أن تحظى الموازنة الجديدة باعتراضات من الرئيس شخصياً، ولا سيما فور شعوره بالاعتراض الشعبي عليها، خصوصاً أن الأحزاب والقوى السياسية ترفض أي زيادات جديدة على الأسعار، نظراً إلى تدني مستوى المعيشة وارتفاع الأسعار، لذا تعوّل الحكومة، عبر الموازنة الجديدة، على إمكانية التفاوض مع البنك الدولي على قرض تصل قيمته إلى خمسة مليارات دولار.