تهيمن التطورات السورية على القمة التي تجمع في موسكو اليوم، الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، إلا أن أجندة اقتصادية حافلة تتصدر أفق التعاون بين البلدين. ووفق بيان أصدره الكرملين قبل أيام، فإن بوتين وإردوغان سيناقشان بناء خط «السيل التركي» للغاز الطبيعي ومحطة «آكويو» للطاقة النووية في تركيا. وأوضح البيان أن «الزعيمين سينقاشان قضايا شاملة تتعلق بالعلاقة الروسية ــ التركية، مع التركيز على استعادة» العلاقات التجارية ذات المنفعة المتبادلة والعلاقات الاقتصادية.
وسوف يشارك الرئيس التركي باجتماع اللجنة العليا المشتركة الروسية ــ التركية، وفق البيان الذي أضاف إن من المرتقب أن يتبادل الرئيسان وجهات النظر حول «القضايا الإقليمية» وتعاون «أبعد» في محاربة الإرهاب الدولي وحل الأزمة السورية.
وبعدما شهدت العلاقات الثنائية بين أنقرة وموسكو تراجعاً ملحوظاً إثر إسقاط تركيا مقاتلة «سو-24» الروسية في تشرين الثاني 2015، عُلقت بنتيجتها المشاريع المتفق عليها بين الطرفين، وخصوصا أنابيب «السيل التركي» الذي أعلن عنه في كانون الأول 2014 بديلاً للسيل الجنوبي، بدأ التواصل يتحسن تدريجاً على مستوى رؤساء الدول. والخطوة الأولى في هذا الإطار كانت زيارة إردوغان لموسكو في آب الماضي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز، وبعد ذلك مشاركة بوتين في «المنتدى الدولي للطاقة» في أنقرة في تشرين الأول الماضي في زيارة وقّع خلالها البلدان على الاتفاق المتعلق بمشروع خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي.
وقد خطت روسيا خطوة مهمة على طريق البدء بتنفيذ المشروع في 20 كانون الثاني مع مصادقة الدوما على الاتفاق الثنائي حول خط الأنابيب التي تغذي أوروبا بالغاز الطبيعي الروسي، وصادق عليه الرئيس الروسي في بداية شباط الماضي، بعدما أكمل الطرف التركي كل الجوانب القانونية المتعلقة بمصادقة الاتفاق. وتقول شركة «غازبروم» الروسية إن من المتوقع أن يبدأ تنفيذ المشروع في نهاية عام 2017 وينتهي في عام 2019.
من جهة ثانية، من المحتمل أن يشهد لقاء إردوغان وبوتين توقيع اتفاق بخصوص منظومة الدفاع الجوي الروسية «اس 400» التي بدأت اللقاءات بشأنها بين مسؤولي البلدين قبل فترة. وكان المدير العام لشركة «روستيك» التكنولوجية الروسية، سيرجي تشيميزوف، قد أفاد في تصريحات سابقة بأن «اللقاءات بشأن شراء تركيا للمنظومة الدفاعية مستمرة، والعمل جارٍ لترتيب تمويل عملية البيع».
وقد أظهرت تركيا وهي عضو في «حلف شمالي الأطلسي»، اهتماماً بامتلاك نظام «اس 400» ما يعني أن رئيسي البلدين قد يطلقان اتفاقاً مبدئياً بهذا الشأن خلال زيارة اليوم، وفق موقع «دفانس وورلد». وأوضح الباحث الأكاديمي التركي صالح يلماز، أن موضوع النظام الدفاعي قد تم بحثه سابقاً في تشرين الثاني الماضي، حين قال رئيس الخدمة الاتحادية لمجال التعاون العسكري والتقني، ألكسندر فومين، إن إمداد «إس 400» إلى تركيا سيكون أبرز المسائل المتابعة في جلسات اللجنة المشتركة لحكومتي البلدين. من جهته، كان وزير الدفاع التركي فكري إيشك، قد أكد أن أنقرة تقوم بمباحثات مع موسكو لشراء «إس 400».
وكانت أنقرة قد حاولت عام 2013 شراء النظام الدفاعي الجوي الصيني «تي - لوراميدس» بصفقة بلغت قيمتها 3.44 مليارات دولار، لكن حلفاء تركيا في «الأطلسي» عارضوا الخطوة، وبالتالي تخلت أنقرة عن الصفقة وقررت بناء نظامها الدفاعي الخاص. ووفق تقرير في «دفانس وورلد»، فإن الأمر عينه من المحتمل أن يحدث في موضوع «إس 400».
وبعد لقائهما في آب الماضي، اتفق إردوغان وبوتين على مباشرة شركة «روساتوم» الروسية بناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا، وهو مشروع قد تهدد تنفيذه أيضاً بعد إسقاط الطائرة الروسية. وقال وزير الطاقة التركي بيرات البيرق، في زيارته لموقع بناء المحطة في جنوب تركيا في شباط الماضي إنها ستصبح فاعلة في 2023. وتبلغ قيمة المشروع 20 مليار دولار وينتج حوالى 35 مليار كيلو واط كل عام، وقد اعتبره رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، في لقاء مع نظيره الروسي ديمتري مديفيديف، في كانون الأول الماضي، ذو «أولوية استراتيجية» بالنسبة إلى بلاده. وأكد يلدريم حينها أن بلاده مستعدة لاتخاذ كل القرارات الضرورية لتنفيذ المشروع.
إضافة إلى ذلك، ذكر تقرير في موقع «روسيا ما وراء العناوين»، أول من أمس، أن الطرفين سيناقشان أيضاً «تعريف الإرهاب». وقال الأكاديمي التركي صالح يلماز، للموقع، إن إردوغان وبوتين سيناقشان أيضاً «مواضيع تهم أنقرة»، مثل نشاط «حزب العمال الكردستاني» و«منظمة فتح الله غولن» في روسيا التي لا تصنفهما كمنظمتين إرهابيتين. ووفق يلماز، فإن «تركيا قلقة جداً من واقع وجود مكتب لحزب العمال الكردستاني في موسكو». وأشار إلى أن المجلس الفيدرالي الروسي صادق في الأول من الشهر الجاري على اتفاق تعاون متبادل روسي ــ تركي بمجالات «مكافحة الجريمة وترحيل المجرمين»، معتبراً أن هذا الاتفاق يعطي قوة لتركيا لملاحقة الأفراد المرتبطين بـ«جماعة فتح الله غولن» و«العمال الكردستاني» على الأراضي الروسية.
(الأخبار)