تشير المعطيات المرافقة لمعارك الميدان التي ترسم خطوطاً جديدة للصراع وتحدد أدوار اللاعبين الإقليميين، إلى الدخول في مرحلة جديدة وحساسة من الكباش الإقليمي في سوريا. ففي الوقت الذي تحاول في أنقرة إنعاش خططها الخاصة لمعركة الرقة، التي دخلت في موت سريري بعد إقفال الجيش السوري لطريق المعركة المتاحة ووصوله أمس إلى ضفة الفرات، ينشط حراك إسرائيلي تجاه موسكو بهدف «ضمان أمن الحدود مع سوريا».
وبينما تبلور الجهد التركي ضمن لقاء جمع رئيس الأركان التركي مع نظيريه الأميركي والروسي في أنطاليا التركية، ولقاء مرتقب للرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، كذلك سيزور رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم موسكو، لبحث الملف السوري هناك.
وفي مقابل تلك التحركات النشطة، برز أمس تصريح خرج من طهران، للمتحدث باسم «حركة المقاومة الإسلامية في العراق ــ النجباء»، هاشم الموسوي، يعلن الوجود الرسمي في سوريا، ويؤكد بقاء مقاتلي «الحركة» ضمن خطط وأهداف مرسومة لمشاركة الحكومة السورية في معاركها التي تقرر خوضها، وخاصاً بالذكر جبهة الجولان.

سيكون تأمين الحدود العراقية ــ السورية حاضراً في أجندة دمشق وحلفائها

وبدت اللهجة الحادة في حديث الموسوي تجاه أنقرة في ردّ واضح على دعوات الأخيرة المتكررة لإخراج الجماعات الأجنبية العاملة في الميدان إلى جانب القوات الحكومية السورية، والتي ذكرت بينها بشكل صريح «الميليشيات العراقية». ويعدّ هذا التصعيد الذي خرج في مؤتمر صحافي من طهران، انعكاساً للمشاحنة الديبلوماسية الإيرانية ــ التركية التي جرت أخيراً من جهة، ونجاح الجيش السوري وحلفائه في تحجيم الدور التركي وعزله على الأرض.
وقال الموسوي في خلال حديثه إن «الحلم العثماني تبدد على أسوار سوريا، لهذا نحن نعتقد في (حركة النجباء) أنّا لن نخرج من سوريا إلا بخروج آخر إرهابي منها». وأعلن تشكيل «لواء تحرير الجولان» الذي قال إنه «مجموعة من القوات الخاصة المدربة والمجهزة وتملك خبرة ودراية عالية لم تتدخل حتى الآن إلا في بعض المعارك لحسمها»، مشيراً إلى «استعداده (اللواء) للدخول لتحرير الجولان... باشتراط قبول الحكومة السورية بخوض هذه المعركة».
ومع عودة حضور القوات السورية وحلفائها في تدمر واستعادة زمام المبادرة في معارك دير الزور، من جهة، ووصول الجيش إلى ضفاف الفرات بعد غياب أربعة أعوام من جهة أخرى، يحمل إعلان «النجباء» ومن خلفها باقي الفصائل الحليفة للجيش، إشارة واضحة إلى أن السعي لتأمين منطقة الحدود العراقية ــ السورية، سيكون حاضراً في الأجندة المشتركة مع دمشق، خاصة في ضوء الإعلان الرسمي العراقي لاتفاق مع الجانب السوري لشن غارات داخل الأراضي السورية، التي سبقت باكورتها (في البوكمال) إعلان الاتفاق.
وهنا يجب الإشارة إلى أن واشنطن حريصة على ضمان بديل موالٍ لها، مكان «داعش»، في البادية السورية ــ العراقية بما يضمن عرقلة خطوط الإمداد والتنقل بين حكومتي البلدين، كما بين القوى العاملة على ساحتيهما. ومع تحييد الأتراك عن خريطة معارك الشرق بحكم واقع الميدان الحالي، تبقى الفصائل العربية الناشطة تحت الغطاء الأميركي، التي على رأسها «قوات النخبة السورية» بزعامة أحمد الجربا، الخيار الوحيد الذي ستعمل واشنطن على دعمه عبر مناطق وجود قواتها الخاصة في الشمال الشرقي، وربما تطعيمه بمقاتلين من فصائل «درع الفرات» قد يجري إدخالهم إلى المنطقة عبر مناطق سيطرة «وحدات حماية الشعب الكردية»، على غرار عبور «قوات الجربا» نحو مواقعها الحالية في بادية دير الزور.
وتدلّ المعلومات التي نقلتها وسائل الإعلام التركية عن تفاصيل «اجتماع أنطاليا» غير المعلنة، على أن أنقرة تسعى جاهدة لإقناع الأميركيين بخطة تكفل مشاركتها ضمن معركة الرقة. إذ نقلت صحيفة «دايلي صباح» التركية عن «مصادر مطلعة» قولها إن اللقاء «تناول أحد السيناريوهات المحتملة لعملية الرقة، إذا اتفقت أنقرة وواشنطن على تنفيذ العملية معاً، ألا وهو دخول القوات التركية والأميركية مع قوات (الجيش السوري الحر) عبر معبر آقجه قلعة الحدودي في ولاية شانلي أورفا جنوبي تركيا، ثم فتح ممر عبر مناطق سيطرة (ب ي د ــ حزب الاتحاد الديموقراطي) إلى مدينة تل أبيض ومن ثم الدخول منها إلى الرقة». وتوضح المصادر وفق الصحيفة أن «الخطة تنص على تحرك قوات (البيشمركة) العراقية، لتقديم الدعم لقوات (الجيش السوري الحر)».