غزة ــ الأخبارقبل نحو عام، كانت التقديرات الأمنية في قطاع غزة، تقول إن «داعش غزة» لا تزال تحت السيطرة، على أساس أن تحركات العناصر السلفية ــ التكفيرية، وما يمتلكون من أسلحة ومعدات وأموال، تعلم بها الأجهزة المعنية، خاصة «الأمن الداخلي» التابع لحكومة غزة السابقة.

ومنذ اتفاق المصالحة الذي أُبرم بين السلفيين وحركة «حماس» عقب مقتل القيادي السلفي يونس الحنّر في خلال عملية دهم في حزيران 2015، صار التعاطي الأمني أقّل حدة، وسمحت الحركة للمجموعات السلفية بنشاط محدود كان أحد معالمه تنظيم تظاهرة علنية رُفعت فيها أعلام «داعش» عقب إعادة صحيفة «شارلي إيبدو» نشر «الرسوم المسيئة»، مع المحافظة على المتابعة الدقيقة لتحركاتهم.
«المصادفة كشفت أن ما تحيط به الأجهزة الأمنية ليس سوى نقطة من برميل»، كما تصف مصادر أمنية مطلعة كشفت أن جهاز «المباحث» في أثناء اعتقاله أحد المطلوبين في مخيم النصيرات، وسط القطاع، عَثر بحوزته على مبالغ مالية طائلة ووثائق تكشف تلقي السلفيين دعماً مالياً كبيراً خُصصت أجزاء منه لشراء أسلحة فردية وصواريخ «غراد»، فضلاً عن أوراق تظهر بناء «هيكلية ظل» يوكل إليها تنفيذ مهمات حساسة.
في تلك الحملة أيضاً، وقع المهندس ح. أ. (36 عاماً) في قبضة الأمن بعد ست سنوات من المطاردة. ووفق «مركز ابن تيمية للإعلام» في غزة، فإن الأخير المكنى «أبو المحتسب المقدسي» هو أبرز قيادات التنظيم السلفي، وبدأ مشواره برفقة الشيخ هشام السعيدني عام 2008 حتى صار «الأمير العام لجماعة التوحيد والجهاد» عقب مقتل السعيدني في غارة إسرائيلية عام 2011، وهو متهم بالمسؤولية عن إطلاق الصواريخ على «مستوطنات غلاف غزة» في أثناء الهدنة التي توافقت عليها الفصائل قبل ثلاث سنوات.
في خلال التحقيق، تمكنت الأجهزة الأمنية من الوصول إلى الأسماء الحقيقية لمنتسبي التشكيل السري الذي كان يعمد في أوراقه إلى استخدام الألقاب دون الأسماء. منذ ذلك الوقت، تكشف المصادر نفسها عن اعتقال قرابة 380 سلفياً مُنع عنهم الاتصال والزيارة، قبل أن يخضعوا في مطلع الشهر الجاري لمحاكمة عسكرية وُجهت فيها إليهم تهم «مناهضة النظام وحيازة أسلحة غير مرخصة». ورغم قبول المحكمة الإفراج عن بعضهم مقابل كفالة تصل إلى 100 ألف دولار، فإن «الداخلي» رفض الإفراج عن أي من الذين تراوح أعمار 90% منهم ما بين 19 ــ 25 عاماً فقط.
المبرر الأمني لذلك، أنَّ عدداً كبيراً من الذين اعتقلوا في الحملة الحالية كانوا قد اعتقلوا سابقاً وخرجوا بتعهد وبكفالات، ثم ثبت تورطهم في عمليات إطلاق صواريخ وتفجير بعض المنازل والمقاهي والمراكز الثقافية. مع هذا، فإن البنى السلفية في غزة كانت قد تحولت منذ مقتل عبد اللطيف موسى «أبو النور المقدسي» عام 2009 ومن معه إلى حالة من الظل واللامركزية، فيما يحُول تعدد الرؤوس ومصادر التمويل دون القدرة على إنهاء خطرهم.
ورغم تواصل الانتشار المكثف لعناصر «الضبط الميداني»، وهو تشكيل أمني أنشئ عقب حرب 2014 بهدف حماية الهدنة وملاحقة مخترقيها، استطاع عدد منهم إطلاق صواريخ اتخذها العدو الإسرائيلي حجة لضرب المقاومة. واللافت وفق المصادر نفسها، أنَّ «دواعش غزة» يستفيدون من عملهم تحت الإطار التنظيمي لبعض الفصائل، من امتيازات سهولة التحرك والعبور من الحواجز الأمنية. وقالت لـ«الأخبار» أيضاً إن صاروخي عسقلان الأخيرين أطلقهما عنصران «داعشيان فكرياً»، وكانا يعملان تحت إطار «حركة الجهاد الإسلامي»، لكن القرار الأخير كان التعاطي مع أي مطلق للصواريخ خارج الإطار الوطني على أنه «عميل» يخدم الأجندة الإسرائيلية من حيث يدري أو لا يدري.

القرار السياسي هو رفض الوساطات، والأمني استهداف مطلقي الصواريخ

المعركة نفسها انتقلت هذه المرة من الميدان إلى العالم الافتراضي، إذ دشّن السلفيون عشرات الحسابات التي تحمل أسماء مستعارة في مواقع التواصل، إضافة إلى تفعيل موقع إلكتروني حمل اسم «ابن تيمية للإعلام» ويتولى نشر أخبار المعتقلين. «طامح الغزاوي» هو اسم مستعار لناشط سلفي مشهور عبر «فايسبوك» يتوكل بنشر معلومات أمنية، اعترف أخيراً بفعالية الحملة الحمساوية، قائلاً في منشور إنَّ «حماس زجت بمعظم سلفيي معسكر الشاطئ داخل أقبية التحقيق والتعذيب دفاعاً عن الرافضة واستجابة لنداءات تنظيمات الضرار».
ناشط آخر يدعى نور عيسى، وهو سلفي تطارده الأجهزة الأمنية، هدّد بـ«بدء الرد على التغول الحمساوي بحق الموحدين»، مضيفاً في كلمة مسجلة بعنوان «هذان خصمان اختصموا في ربهم»، أن «حجم وتتابع الظلم الحمساوي يوحي بقرب استخدامنا خيارات أكثر صعوبة». وهؤلاء المغردون يرون أن الدافع وراء الحملة الأخيرة هو التقارب المصري ــ الحمساوي.
الجدير بالذكر أنَّ القاهرة كانت تتهم «حماس» بدعم «ولاية سيناء» بالمقاتلين وبالخبرات، وكانت المخابرات المصرية قد قدمت مراراً إلى الحركة مطالب بتسليم عدد من قادة «داعش ــ سيناء» الذين دخلوا غزة بدافع العلاج، إضافة إلى التعاون الأمني على صعيد محاربة المد الداعشي في منطقة العريش ورفح المصرية.
ووفق وكالة «سبوتنيك» الروسية، ناقش وفد أمني حمساوي في آخر زيارة للقاهرة المطالبات المصرية، وأعدّ ملفاً خاصاً بكل الأسماء الواردة في القائمة لتوضيح الصورة لأجهزة الأمن في القاهرة، لكنه عملياً أقرّ مسألة تأمين الحدود المشتركة بل تعزيزها، فيما سبق ذلك التضييق المستمر الذي تمارسه «ولاية سيناء» على خط الأنفاق الباقية للمقاومة ما بين رفح المصرية والفلسطينية، عبر تهديد القبائل السيناوية التي كانت توصل عدداً من المستلزمات إلى تلك الأنفاق بالقتل.




«حماس» تعترف بدولة ضمن حدود الـ 67!

من المتوقع أن تنشر «حركة المقاومة الإسلامية ـــ حماس» خلال الأسابيع القريبة، وثيقة مبادئ سياسية جديدة، للمرة الأولى منذ انطلاقتها عام 1988. وستتضمن الوثيقة مبدأ إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967، من دون الاعتراف بإسرائيل، وفق ما ذكرته صحيفة «هآرتس»، العبرية.
الوثيقة الجديدة ستحتوي أيضاً إعلان الاستقلالية عن «الإخوان المسلمين»، وتعريف الصراع مع إسرائيل كصراع مع الحركة الصهيونية والاحتلال وليس مع اليهود، إضافة إلى الاعتراف بالنضال الشعبي اللاعنفي (السلمي) كنضال شرعي إلى جانب النضال المسلح. أما الموعد، فسيكون بعد أن تختار الحركة قائداً جديداً لرئاسة مكتبها السياسي.
ووفق الصحيفة، التي تدعي أنها تحدثت إلى مصدر في القيادة السياسية لـ«حماس»، فإن الهدف من إعلان الأجندة التسهيل على «حماس» اتصالاتها مع المجتمع الدولي والدول العربية. رغم ذلك، ليس واضحاً حتى الآن مدى استعدادها لإنهاء خلافها مع السلطة الفلسطينية و«فتح»، لكن قد تشكل موافقتها على دولة في حدود الـ 67 أرضية للمصالحة.
يُذكر أن صحيفة «الشرق الأوسط» المملوكة للسعودية نشرت في عددها أمس، أن من المتوقع أن تعلن «حماس» استقلاليتها عن كل التنظيمات، بما فيها «الإخوان»، ما من شأنه أن يساعدها في تفاهماتها مع النظام المصري.
(الأخبار)