دمشق | يكاد عمر تشكيلة مجلس الشعب السوري في دورته الحالية، يقارب سنة كاملة من عمر الحرب التي ستدخل بدورها عامها السابع. الشائعات الواعدة بالكثير من «الشغب» خلال الحملات الانتخابية التي شهدتها البلاد قبل ولادة المجلس، لم تكن مقنعة للشارع الذي سئم من الدور الوهمي لمجلس لا روح فيه.
وعلى الرغم من تطعيم المجلس بوجوه جديدة تنوب عن الشعب المنكوب، إلا أن استعادة ثقة الناس بالتغيير بدت مع مرور الوقت أصعب من المتوقع. وشيئاً فشيئاً تحوّل المجلس الواعد بجلسات منقولة على الهواء المباشر إلى جلسات مغلقة ينقل فحواها النواب عبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يتم نقل بعض التسجيلات المصورة اليتيمة التي لا تقدم صورة واضحة عما يجري في كواليس المجلس.
وفي ظل الأزمات المتواصلة التي تثقل كاهل السوريين، يبدو أن النواب أنفسهم فقدوا تفاؤلهم ويئسوا من فعالية موقعهم ضمن هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد. فبعضهم يرى أن المجلس مجرد أفراد متمايزين بآرائهم عن طبقة «كتيمة» موجهة تعطّل أي إمكان للتغيير، لينبري بعض المستقلين إلى العمل من دون ضجيج على ملفات صغيرة تشغل بال شريحة انتموا إليها. أما البعض الآخر، اعتبر أن المجلس أسوأ من ذي قبل، باحتوائه على عدد كبير من المتشددين دينياً، إلى جانب رجال أعمال وأصحاب ثراء فاحش، وآخرين لم يفهموا دورهم النيابي حتى اللحظة، في ظل سيطرة حزب البعث على المجلس، وفق تعبيرهم.
جرعات الجرأة التي رشحت من داخل المجلس تباعاً، بدت كما لو أنها حقن مخدرة أو «تنفيس» عن الشارع. فيما رأى آخرون أن ثمة توجهاً «خجولاً» لدى القيادة السورية، لإحداث تغيير حقيقي داخل المجلس. ومن ضمن هذه التسريبات القليلة، تسجيل مصور تداوله السوريون على نطاق واسع، منذ حوالى الأسبوعين، لكلمة النائب عن محافظة السويداء موعد ناصر، تحت قبة المجلس. كلام ناصر من على منبر البرلمان حوى جرأة «غير مسبوقة»، إذ قال موجهاً كلامه لرئيسة المجلس هدية عباس، إن «مازوت (داعش) أصبح داخل جميع بيوت السويداء، في ظل عجز الحكومة عن تأمين الوقود»، كناية عن شراء المواطنين المواد غير المتوفرة من جهات تتبع للمسلحين. وجوه زملاء ناصر من حوله بدت موافقة على ما قاله، فمضى إلى تحميل المسؤولية إلى وزارات النفط والداخلية والتموين، إضافة إلى الفريق الاقتصادي، رافضاً كلام الوزراء في سياق دفاعهم عن أنفسهم، حول «عدم وفاء الحلفاء» بوعودهم في تأمين الوقود اللازم للبلاد. وعلق ناصر على الأمر بحدّة لم يشهدها المجلس من قبل، بقوله: «الحكومة ملزمة بتأمين المادة... بالبحر، بالجو، بالبر، ملزمة تأمن للمواطن حاجته. من السويداء إلى صلخد ما بقي ولا شجرة، بسبب فقدان المازوت. خسرنا الثروة الحراجية».
وفي سياق متصل، انتقد الكاتب والنائب السوري نبيل صالح، تصرف النواب البعثيين قبل حوالى الأسبوع، بتأخرهم عن الجلسة النيابية لمدة ساعة كاملة، بحجة أن لديهم اجتماعاً حزبياً. وتساءل، عبر صفحته الشخصية على «فايسبوك»: «أيهما أجدر بالتزام النائب البعثي، اجتماع مجلس الشعب، أم قيادة الحزب؟». ولم تخلُ لغة صالح من السخرية، إذ لفت إلى أنه استغل الوقت الضائع بالذهاب مع زميله النائب سمير حجار، إلى عيادة الأخير لتناول الفطور ريثما ينتهي الزملاء البعثيين من مشاغلهم.
وبدورها، فتحت النائب جانسيت قازان ملف عمل الضابطة الجمركية، خلال إحدى مداخلاتها، بهدف تحسين أداء الدوريات وضبط عملها. ولفتت، عبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، إلى جدوى عمل النواب، مبيّنة أن رئيس الضابطة الجمركية تواصل معها طالباً تزويده بتفاصيل إضافية عن حالة ذكرتها تحت قبة البرلمان، بهدف العمل على حل المشكلة. ويحاول أعضاء المجلس تقديم أداء مختلف ــ ولو شكلياً ــ عن أسلافهم في الدورات السابقة، من خلال متابعتهم لاستياء الشارع منهم والتقييم الفوري لأدائهم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الاتصال المباشر مع الناس. وقام بعضهم بالتهكم على إحصائية قُدّمت داخل البرلمان، تتحدث عن وجود 75 ألف داعية ديني في سوريا، ليتساءل أحدهم عن جدوى وجود هذا «الفيلق الديني» التابع لوزارة الأوقاف، في ظل ظروف البلاد الحالية.

«لسنا والحكومة فريقاً واحداً»


وإن كانت الصورة سوداوية بما يكفي، فمن الممكن متابعة عمل الشباب في مجلس الشعب، والنظر إلى رؤيتهم لأنفسهم وللمجلس بعد مرور قرابة العام على بدء مسيرتهم البرلمانية. النائب أحمد مرعي، أحد الشباب المنتمين إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، يرى أن خصوصية دور النائب في هذه الدورة تأتي من كونه «لا يحمل هموماً معيشية فقط، بل سياسية واقتصادية واجتماعية». ولا يرى أن جرعات الجرأة الزائدة لدى بعض النواب مجرد حالة «تنفيس» عن ضغط الشارع، بل يعتبر أن دور النائب في هذه الدورة حقيقي وفاعل ومؤثر، انطلاقاً من أن هذه المرحلة لا يمكن التهاون أو التقاعس فيها. ويضيف: «نحن والحكومة لسنا فريق عمل واحداً. اعتبارنا فريقاً واحداً يأتي من عدم الفهم السياسي لدور كل من الحكومة والبرلمان. دورنا رقابي، ويجب على كل نائب أن ينطلق من ذلك خلال التعامل مع أي وزارة، لتحقيق مطالب الناس». ويتخلل كلام النائب الشاب شيء من الأمل والحماسة، بوجود من لديه الرغبة في أن يصنع فرقاً. أمرٌ يبقى للشارع السوري تقييمه ــ إن كان يهتم أصلاً ــ عبر مكاشفة النواب في ما فعلوه من أجل الناس، وسط السخط الدائم على الحكومة وفريق عملها الاقتصادي.