اتخذت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خلال الأيام الماضية إجراءات أمنية على اعتبار أن الحرب مع العدو الإسرائيلي ستقع في أي لحظة، فهي أخلت بصورة جزئية مقارّ الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة، وبصورة كلية مراكز الرصد والمواقع (للتدريب) التابعة لها، فيما اكتفت الفصائل بعدد محدد من المقاومين في المناطق المحتمل استهدافها.
ومنذ يومين، أطلق صاروخ «غراد» على عسقلان المحتلة، لكن جيش العدو تأخر في الرد ولم يستهدف بسرعة وبعنف مواقع المقاومة، كما جرت العادة في الفترة الماضية، وهو ما يفهم منه تجنبه «مراكمة» التصعيد، التي من المفترض أنها ستقود إلى مواجهة بناءً على تهديدات المقاومة قبيل الحادثة الأخيرة في سيناريو مشابه.
حالة الهدوء حالياً، ومنع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أعضاء الكنيست من التعليق، إضافة إلى حديث بعض الوزراء مثل وزير النقل يسرائيل كاتس، وقوله: «نحن لا نرغب فى توسيع دائرة الحرب مع غزة، إلا إذا تجاوزوا كل القواعد»، وضعت كلها المقاومة الفلسطينية في حالة تأهب ما قبل القصوى، وخصوصاً بعد إعلان المتحدث الرسمي باسم «كتائب القسام»، الجناح العسكري لـ«حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس»، أبو عبيدة، معادلة جديدة.
فبعدما استهدفت طائرات العدو مواقع للمقاومة الاثنين الماضي رداً على إطلاق الجماعات التكفيرية في غزة صاروخاً على فلسطين المحتلة، قال أبو عبيدة بعدها بيوم، إن «أي عدوان قادم على غرار ما حصل بالأمس (الاثنين) سيكون للمقاومة، وعلى رأسها كتائب القسام، كلمتها فيه، والمقاومة إذا وعدت أوفت، والأيام بيننا». وقبل إعلان هذه المعادلة، عممت الكتائب على عناصرها صباح الأحد الماضي قرارها تغيير قواعد الاشتباك ومنع العدو من قصف الأماكن الحساسة، لكنها أجّلت إعلان ذلك حتى الثلاثاء الماضي ليتزامن مع صدور «قرار مراقب الدولة» عن أداء الحكومة الإسرائيلية في حرب غزة عام ٢٠١٤.
في الشهور، وكذلك السنوات الماضية، امتصت المقاومة، التي تؤكد أنها لا تريد الانجرار إلى حرب يختارها العدو أو التكفيريون، القصف الإسرائيلي الذي استهدفها، لكن مع استمرار الجماعات التكفيرية في إطلاق الصواريخ، واستغلال العدو ذلك لقصف مراكز حساسة موجودة على بنك أهدافه، عدلت المقاومة قواعد الاشتباك لمنع التكفيريين من ابتزازها أولاً، ولإنهاء المعادلة التي حاول وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، رسمها بعد مجيئه.
تأكيداً لذلك، كتب موقع «المجد» الأمني المقرب من «القسام»، أن «المعادلة الماضية انتهت، والصاروخ يقابله صاروخ، والموقع بموقع». ووفق مصادر تحدثت إلى «الأخبار»، فإن المقاومة حددت الأهداف الإسرائيلية التي يجب ضربها في حال تجاوز العدو مستوى الردّ. يقول أحد قادة الفصائل إن «المقاومة في غزة أنهت ترميم مخزونها الحربي في ٢٠١٥، وهي جاهزة للمعركة الجديدة منذ ذلك الحين»، مضيفة: «المانع الأساسي بالنسبة إلينا هو أحوال السكان في غزة».
وعملياً طوال السنتين الماضيتين، تجنبت المقاومة مواجهة العدو برغم استفزازه لها، لكن تماديه في القصف ومحاولته ترسيخ قواعد اشتباك جديدة فرض وضع قواعد خاصة، وخصوصاً بعد شعور المقاومة بأن التكفيريين في القطاع يتماهون بتصرفاتهم مع سياسة الاحتلال، تقول تلك المصادر. وتضيف إن «الوقاحة» وصلت بتلك المجموعات في بعض الأحيان إلى تهديد المقاومة في حال عدم إطلاق الأجهزة الأمنية في القطاع سراح معتقليها، بتحديد «الساعة الصفر لإطلاق الصواريخ» عبر صفحات «فايسبوك»، علماً بأن الأحداث الأخيرة دفعت الحكومة في غزة إلى جلب عشرات المعتقلين من السلفيين إلى المحاكمة العسكرية في إجراء ليس بجديد، لكنه لم يكن بهذا العدد في وقت قصير.

معادلة المقاومة منع المجموعات التكفيرية من ابتزازها مجدداً

وأفادت تلك المصادر بأنه في حادثة إطلاق الصاروخ من غزة أول من أمس، استهدفت المقاومة بالرصاص مطلق الصاروخ الذي نجح في إطلاقه ثم الهرب، وبالنسبة إلى المقاومة، هناك قراءة تقول إن تلك الجماعات تسعى إلى جرها نحو حرب مع الاحتلال، وذلك لاستغلال حالة التوتر التي ستجبر الحكومة على إخلاء السجون جبراً، وبذلك يخرج السلفيون التكفيريون ويصعب اعتقالهم لاحقاً.
في هذا الإطار، يقول قادة في المقاومة إن «المجموعات السلفية المتشددة تعمل بعلمها أو من دون علمها لمصلحة العدو، فولاية سيناء تمنع نقل السلاح إلى غزة (منذ حادثة مقتل الشاب مثقال السالمي)، وهددت بقتل من يقبض عليه وهو يفعل ذلك»، وتضيف: «ألقي القبض على بعض أنصار التنظيم في القطاع وهم يراقبون مراكز قادة في المقاومة ومنازلهم... خلال الحرب، لم تطلق هذه المجموعات صاروخاً واحداً على العدو، بينما يفعلون ذلك خلال حالة الهدوء لجرّ العدو إلى قصف المواقع، لذلك لم يعد مسموحاً لهؤلاء ابتزاز المقاومة». وهذا الواقع يدركه العدو الإسرائيلي جيداً، وقد نقلت الإذاعة العامة الإسرائيلية عن ليبرمان، قوله: «نعلم أن حماس فعلاً ليست هي التي تطلق الصواريخ باتجاه إسرائيل، ولكن يجب أن تعلم أننا نحمّلها المسؤولية عما يجري في القطاع».
بالنسبة إلى أي حرب مقبلة، هناك تصوران لدى المقاومة بشأن طريقة بدئها، إما التدحرج إلى مواجهة مع الاحتلال في حال تجاوز العدو الخطوط الحمر في رده، وإما تكرار سيناريو عامي ٢٠٠٨ و٢٠١٢، أي استهداف المراكز الأمنية في القطاع، وكذلك اغتيال قيادي بارز في الحركة من وزن أحمد الجعبري. هنا، تضيف مصادر مقربة من «حماس» إن «إسرائيل تدرك أن ماهية المعادلة التي رسمها أبو عبيدة جدية، وخصوصاً مع وجود يحيى السنوار الذي يعرفه العدو جيداً على رأس المكتب السياسي للحركة في غزة».




هنية سيغادر غزة لإجراء «الانتخابات»

من المقرر أن يغادر نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس» والمرشح لرئاسة المكتب السياسي، إسماعيل هنية، قطاع غزة قريباً، وذلك لاستكمال انتخابات المكتب السياسي. ووفق مصادر فلسطينية، فإن الموعد المقرر لمغادرة هنية سيكون نهاية الشهر الجاري، إلى العاصمة القطرية الدوحة، على أن يكون إعلان تشكيلة المكتب السياسي الجديدة في الموعد نفسه تقريباً.
ويبدو أن حظوظ هنية بالفوز ارتفعت بعد تولي يحيى السنوار رئاسة المكتب السياسي في غزة، وهو المعروف بعلاقته القوية معه. وكانت «حماس» قد أعلنت نتائج الانتخابات التي جرت في غزة والسجون، وفي الأخيرة ترأس الأسير محمد عرمان «الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس».
وبقي أن تستكمل الانتخابات في الساحات الخارجية والضفة المحتلة، ثم يأتي إعلان النتائج، علماً بأن هنية كان قد عاد إلى غزة الشهر الماضي بعد سفره لأكثر من شهرين في ظل تحسن العلاقة بين الحركة وبين مصر.
(الأخبار)