بغداد | شهد الدينار العراقي خلال الفترة الماضية تذبذباً كبيراً أمام الدولار الأميركي، ما جعل المواطن يفقد الثقة بالدينار، ويفضل استعمال العملة الأجنبية لشراء المواد الغالية الثمن، وذلك تجنباً للخسارة، في ظل ارتباك السوق العراقية من جراء التذبذب في سعر صرف العملة الوطنية.
تكمن عوامل عديدة خلف انخفاض سعر صرف الدينار مقابل الدولار، أبرزها اعتماد اقتصاد العراق منذ سنوات طويلة على نحو شبه كلي على تصدير النفط (المسعّر بالدولار)؛ وعندما انخفضت أسعار النفط من 120 دولاراً للبرميل إلى أقل من 60 دولاراً، تعرض الدينار لاهتزاز كبير، حيث انخفض دخل البلاد من العملة الأجنبية، فيما خرجت منها كمية كبيرة من الدولارات، بسبب اعتمادها على استيراد البضائع بدل إنتاجها، ما أدى إلى زيادة الطلب على الدولار في ظل انخفاض المعروض منه.
لن يتمكن البنك المركزي من تغطية الطلب على الدولار، بعدما ألزمته الحكومة والبرلمان في المادة (50) من الميزانية المالية للعام الحالي خفض مبيعاته من العملة الصعبة من 300 مليون دولار يومياً إلى 75 مليون دولار، فيما يزيد الطلب على شرائها في مزاد العملة الذي يقيمه البنك المركزي عن 75 مليون دولار يوميا، ما يضطر رجال الأعمال إلى شراء الدولار من السوق. إضافة إلى ذلك، اتخذ البنك المركزي إجراءات جديدة في مزاد العملة الاجنبية، منها منح شركات الصيرفة والتحويل المالي إجازات لدخول مزاد العملة ومنافسة المصارف الأهلية، برغم أن الأولى لا تتمتع بالخبرة الكافية والقدرة على المنافسة، ما أثر على نحو كبير في المعروض من الدولار. ويضاف إلى ذلك عامل آخر، هو تجاوز رسوم التحويل المالي التي يقتطعها البنك المركزي نسبة الـ8%، ما مثّل عبئاً على التاجر العراقي.
يتمتع البنك المركزي العراقي باستقلالية كبيرة عن الحكومة، وذلك بموجب القانون 56 لسنة 2004، حيث لا يتلقى أوامره منها عند تقريره السياسة النقدية، ولا يقرضها على نحو مباشر او غير مباشر، ولا تخضع حساباته للتدقيق من قبلها، بل من قبل مدقق خارجي. وحمل ذلك البنك المركزي إلى الطعن لدى المحكمة الاتحادية بالمادة (50) من قانون الميزانية المالية، التي أثرت على نحو كبير على تنفيذ سياسته المالية وفقدانه السيطرة على سوق العملة، بالاضافة إلى تعرض موجودات العراق واحتياطاته في الخارج لخطر الحجز، حيث يتوقع العديد من المراقبين قبول الطعن.
انخفاض سعر صرف الدينار العراقي امام الدولار إلى 1400 دينار للدولار الواحد ساهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار البضائع المستوردة من الدول المجاورة والأجنبية، وفي زيادة نسبة التضخم، وهروب المستثمرين الأجانب والمحليين بسبب غياب بيئة اقتصادية مستقرة وارتفاع نسبة الفائدة على الاقتراض.
ويرى مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، مظهر محمد صالح، في حديث لـ«الأخبار» أن «مواجهة ارتفاع سعر الدولار أمام الدينار العراقي يكون من خلال تغيير سياسة سعر الصرف وإطلاق نسبة كافية من الدولار في السوق»، مشيراً إلى أن «اسباب التذبذب عديدة، منها هبوط اسعار الصرف والحرب الحالية التي تشهدها البلاد».

انخفاض سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار إلى 1400 دينار للدولار الواحد

في المقابل، يقول نائب رئيس جمعية الاقتصادين العراقيين، باسم جميل انطوان، لـ«الأخبار» إن «العراق كانت تدخله أموال تفوق 300 مليون دولار يوميا قبل انخفاض اسعار النفط، حيث كان العراق يبيع ثلاثة ملايين برميل يومياً، وبسعر 100 دولار للبرميل الواحد، بينما يدخله اليوم ما يقارب 150 مليون دولار، ما أدى إلى إرباك الوضع الاقتصادي». ويضيف انطوان أن «الحرب على تنظيم داعش ودعم القوات الأمنية والحشد الشعبي ووجود ثلاثة ملايين نازح في البلاد، أدت جميعها إلى انكماش في الاقتصاد العراقي، ما سبّب ضعف القوة الشرائية»، مبيناً أن «بعض القطاعات أصيبت بالشلل التام وتوقفت عن العمل»، لافتاً في هذا السياق إلى أن «بعض المصارف الأهلية امتنعت عن بيع الدولار للمواطنين». ويوضح انطوان أن «جميع هذه الأمور تؤثر على نحو كبير على سعر صرف الدينار أمام الدولار، ومواجهتها تكمن في وضع برنامجين، طويل وقصير الأمد، وتخفيض الاعتماد على النفط، وتفعيل القطاعات الانتاجية الأخرى مثل الزراعة والصناعة وغيرها».
ويقول الخبير الاقتصادي سلام عادل لـ«الأخبار» إن «مزاد العملة تدخل فيه ثلاث فئات، هي البنوك الاهلية وشركات التحويل وشركات الصيرفة، حيث تحصل شركات الصيرفة على حصة أسبوعية قدرها 100 ألف دولار، وهي ملزمة بيع الدولار بـ1200 دينار»، مشيراً إلى أن «شركات الصيرفة غير ملتزمة إجراءات البنك المركزي، لأنها تابعة لشخصيات سياسية، ما أثر على نحو كبير في السياسة النقدية».
ولفت عادل إلى أن «معالجة هذا الأمر تكون من خلال السيطرة على شركات الصيرفة، أو منعها من دخول مزاد العملة، لأن عدم معالجته سيؤدي إلى انخفاض سعر الدينار العراقي بنسبة عالية خلال الأيام المقبلة».
تراجع قيمة الدينار مقابل الدولار كان له تأثير في القدرة الشرائية للعراقيين التي تراجعت كثيراً. يقول الموظف محمد سعد لـ«الأخبار» إن «السوق شهدت ارتفاعاً كبيراً في المواد الغذائية وصل إلى 3 أضعاف السعر الحقيقي»، مضيفاً أن «راتبه الشهري البالغ 950 الف دينار (678 دولارا) بات لا يكفي لسد النفقات الأساسية، حيث تذهب ما يقارب 100 دولار كأجر لمولد الكهرباء... واشتريت جميع متطلبات شهر رمضان المبارك، ونحن الآن في منتصف الشهر، ولا أملك ديناراً واحداً، بعد الارتفاع الجنوني للأسعار».