منذ اندلاع الحدث السوري، شكّلت ثلاث دول إقليميّة مثلث دعمٍ أساسي للمعارضة، هي كما بات معروفاً: تركيا، قطر والسعودية (التحق التيار السلّفي الكويتي بالرّكب السعودي، وشكّل ولا يزال إحدى أدوات الرياض المؤثّرة داخل المجموعات المسلّحة، ولا سيّما «الجهاديّة» منها). لم تكن مواقف الدول الثلاث منسجمةً بشكل كامل في الملف، التوافق كان شبه محصور بعنوان واحد هو «إسقاط النظام»، وسط تضارب الأجندات في ما يتعلّق بـ«المرحلة التالية».
مع انقضاء العام الأوّل من دون تحقيق الهدف المتوافق عليه، بدأت التباينات تشقّ طريقها بهدوء، لتتحوّل في مرحلة لاحقة إلى واحد من أهم أسباب إخفاق المعارضة السوريّة في تحقيق أي «إنجاز»، ولا سيّما مع تهافت معظم أطراف هذه المعارضة على التعلّق بأذيال «الداعمين الإقليميين» ومن دون أي انسجام أو تنسيق. سرعان ما تطوّر الأمر إلى انقسامات وصراعات كشفت عورة المعارضة وعوَزها السياسي. السيناريو ذاته كان قد هيمن على ملف المجموعات المسلّحة، إلى حدّ تحوّل معه كثير من المجموعات إلى ميليشيات متناحرة في ما بينها بفعل تضارب مصالح الدول الداعمة و«سباق الهيمنة والنفوذ»، قبل أن يتجذّر التناحر بين المجموعات ويغدو سمة أساسيّة لأدائها من جرّاء تراكم عوامل كثيرة «تنافسيّة» حيناً، و«ماليّة» حيناً آخر، و«ثأريّة» في كثير من الأحيان. تبادلت الدول الثلاث «رأس الهرم». خلال العامين الأوّلين، هيمنت قطر على الواجهة، قبل أن تتخلّى عنها بغياب «الحمدَين». في العامين التاليين، تناغمت السعودية وتركيّا في كثير من الأحيان، وتضاربت مصالحهما أحياناً أخرى، وكان انعكاس ذلك يتجلّى دائماً في الميدان وبتناسبٍ واضح. سجّلت السعوديّة فورةً لافتة مع تسلّم العاهل الجديد (سلمان بن عبد العزيز) مقاليد الحكم، قبل أن تعاود الانكفاء بفعل كثير من العوامل، من أبرزها غوصها في «الرمال اليمنيّة المتحرّكة». أنقرة كانت حاضرة ومؤثّرة باستمرار، لكنّها في الوقت نفسه لم تكن قادرة على الانفراد بتوجيه دفّة المعارضة بسبب افتقارها إلى الملاءة الماليّة التي تخوّلها النهوض بأعباء التمويل والتسليح. ولا تبدو مصادفة أنّ تركيّا ركّزت اهتمامها في العامين الأخيرين على الميدان، وعلى الإمساك بزمام معظم المجموعات المسلّحة في مقابل التنازل للسعوديّة عن الواجهة السياسيّة التي ظلّت خلال السنوات الأولى بحوزة أنقرة وقطر حيناً عبر «المجلس الوطني»، وآخر عبر «الائتلاف» المعارض، قبل أن تفِد «هيئة الرياض» إلى المشهد في كانون الأول 2015. خلال كل تلك السنوات، كانت الإمارات شبه «صائمة» عن الانخراط المباشر في الملف السوري، الأمر الذي يبدو في طريقه إلى التبدّل.