القاهرة | خالد علي 2017، ليس خالد علي 2012. هذا ما يؤكده المحامي المصري بنفسه، أثناء حديثه عن احتمالات ترشّحه القوية إلى الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار 2018. ما يقصده المحامي الشاب بهذه المقارنة، هو تعديل الخطاب الذي أصبح أكثر «واقعية»، من ذلك الذي اعتمده في استحقاق 2012، حين كان مناخ ميدان التحرير، بأحلامه ومثالياته، لا يزال مهيمناً. الرجل يؤكد أن الشارع يريد «التغيير الآمن» الذي يمكن أن يأتي بنظره عبر صناديق الاقتراع. الناشط الذي بلغت شهرته ذروتها في العام الأخير، بعدما تصدّر قضية إثبات مصرية جزيرتَي تيران وصنافير، يرى أن الأهم هو العمل على تكوين كتلة تعيد التوازن إلى الشارع. هو جادّ ويعمل على بلورة خطابه مع بعض القوى المدنية، لكن التحدي الأكبر أمامه يبقى في كيفية استمالة الشارع. ولعلّ أكثر المطلوب لتحقيق هذه الغاية، هو التنبّه فعلاً إلى أنه ليس بالطوباوية وحدها تحيا الحياة السياسية...
■ لقد أعلنت أخيراً إمكانية ترشحك لانتخابات 2018، إذا توافقت حولك القوى الثورية والمدنية. ما الذي اختلف عن انتخابات 2014 التي رفضت المشاركة فيها بعد ترشحك عام 2012؟

انتخابات 2014 جاءت في ظروف تهيّئ وصول وزير الدفاع إلى الترشح، بعدما كان متحكماً بالمرحلة الانتقالية ومسيطراً عليها. حتى طريقة إعلانه للترشح كانت بالبزة العسكرية.

ذلك كان كافياً كرسالة بعدم تكافؤ الفرص معي، أو مع أي مرشح ثانٍ. المشكلة مع السيسي لم تكن الخلفية العسكرية، فأحمد شفيق وسامي عنان، المرشحان لانتخابات 2012، كانا من خلفية عسكرية، لكنهما أمضيا فترةً في العمل السياسي قبل أن يتقدما إلى الانتخابات، ما يعني أن الناس تعاملت معهما باعتبار أنهما بشر وسياسيان خاضعان للتقويم والنقد. عزوفي عن تلك الدورة، كان تعبيراً عن تيار عام في المجتمع، ولم يكن موقفاً شخصياً، والدليل أن حجم الإقبال على تلك الانتخابات كان ضعيفاً جداً، حتى إنه جرى زيادة يوم إضافي للاقتراع.
هذه المرة، يختلف الوضع من زوايا عدة. فالشارع في حالة رعب كبيرة. رعبٌ بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة، رعبٌ بسبب الصراعات الإقليمية في ليبيا وسوريا واليمن. يريد المصريون التغيير ولكن في مسارٍ بحدود آمنة، لا يوصلهم إلى ما تشهده هذه الدول، بالإضافة إلى التغيرات الدولية الكبرى ولا سيما مع صعود اليمين إلى السلطة في الغرب.

■ لكن الرعب الذي تتحدث عنه من المفترض أن يجعلهم متمسكين بالاستقرار أكثر من قبل. لماذا سيذهبون باتجاه رئيسٍ آخر، ومن خارج المؤسسة العسكرية، ضمان الاستقرار برأي كثيرين؟
لهذا السبب، الانتخابات حالياً هي أفضل آلية للتغيير. فآلية التظاهر غير آمنة. من يتظاهر قد يموت أو يدخل السجن، كذلك بالنسبة إلى إبداء الرأي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. لذلك، قد تكون الانتخابات هي الآلية الوحيدة المتاحة الآن، برغم أن قانون الانتخابات سيّئ، لكنها الطريقة الوحيدة.
من يخوض الانتخابات المقبلة، هدفه في المقام الأول تشكيل كتلة تصويتية تعيد التوازن إلى القوى السياسية في الشارع، وتعبر عن تيار موجود فيه. في الدورة الماضية، مع ترشح حمدين صباحي، اتضح أنه ليس هناك كتلة حقيقية في مواجهة السيسي. الانتخابات المقبلة هي آلية لإحداث توازن في الشارع، حتى لو لم نصل إلى الفوز، وحالياً يبدو أن هناك مجالاً لهذا الأمر، هذا ما أستشفّه من لغة الناس.

ـ■ أنت ترى أن اللحظة مؤاتية لاستعادة العمل السياسي الجاد وفتح المجال العام، بعدما كان هناك شبه تسليم بالوضع الراهن؟
المجال السياسي ينفتح نتيجة الصراع السياسي والاجتماعي. لو قلنا حين جرى توقيع اتفاقية التنازل عن الجزر إن الناس خائفة، لما كنا وصلنا إلى الحكم الذي أكد مصرية الجزيرتين ولا إلى اللحظة السياسية التي نحن فيها الآن.
منذ أول تظاهرة في 15 أبريل/ نيسان 2016، فُتح المجال العام، وضُخّت دورة جديدة من الدماء في الحياة السياسية. الآن يمكن رؤية حزب «الدستور» يحاول إجراء انتخابات، كما أن هناك أكثر من مبادرة طُرحت حول الانتخابات الرئاسية. هناك بيئة خصبة حالياً، لكن فتح المجال ينفتح بحساب وبثمن، حتى ولو أن استعادة الحياة السياسية ستتم على شكل موجات، يعني ممكن نشوف خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء، لكن المقاومة موجودة ومحاولات فصائل من المعارضة الوطنية والاجتماعية لتوسعة المجال العام ظاهرة.

أزعم أن الشارع يبحث
عن بديل للخروج من هذا الظلام، وقضية الجزيرتين مثّلت
مفترق طرق

وأنا اشترطت توافق القوى الثورية والمدنية، طبعاً ليس كلها، ولكن قدراً من القوى التي أستهدفها، بالحد الذي يقدّم كتلة تضمن تكافؤ فرص في الانتخابات المقبلة، حتى لا نصل الى دورة تفتقر إلى أي شرط من شروط التنافسية. وفي حال كان السيسي فعلاً لديه شعبية كبيرة، فلنتنافس ضمن قواعد عادلة ومنصفة، ونرى ما ستكون النتيجة!

■ تعني أنّ قضية تيران وصنافير هي نقطة التحوّل في هذا العهد؟
بالتأكيد. لقد جاءت قضية تيران وصنافير لتجعل مصريين كثراً يضعون علامات استفهام، فأصبحت المعادلة على الشكل الآتي: «هذا النظام يتنازل عن الجزر، وهؤلاء الشباب، الذين يقولون عنهم خونة وعملاء، يدافعون عن هذه الجزر». لذا، تمثل هذه القضية مفترق طرق في علاقة هذا العهد مع الناس، وكذلك في نظرة الناس إلى ثورة يناير وشبابها.

* لكن هناك وجهة نظر تؤمن بأن السيسي يحمي الدولة ويضمن استمرارها، وهناك من سيقول إن المعارضة تريد الفوضى ولقد «جربناها سابقاً». ما هو الخطاب الذي ستواجه به هذه القناعة؟

في تقديري إنه ليس أنا فقط، بل أي أحد سيشارك في الانتخابات لا يهدف فقط إلى أن يكون رقماً في المعادلة، بل يتطلع فعلاً للفوز. إلا أن خطابي أنا أو أي أحد يمثل هذه القوى، سيحاول حشد القوى الديموقراطية والاجتماعية، وليس المدنية في مواجهة العسكرية، ولا العلمانية في مواجهة الدينية. وعلى الخطاب أن يراعي التغيرات الإقليمية الموجودة، يعني أن يتسم بواقعية وبعقلانية.
وأنا توقعت أن يغضب الناس من خطابي الحالي، أو أن يزايد البعض عليه طالباً أن يكون أكثر صدامية، وخصوصاً أننا شاهدنا دماً كثيراً وأن رفاقاً عديدين لنا لا يزالون في المعتقلات والسجون، إلا أنه في المقابل، هناك قطاعات عريضة تصف الثورة وشبابها بأنهم مجموعة من البلطجية أو في أحسن الأحوال هم مجموعة عالية الصوت من دون أن يكون لديها ما تقدمه حقيقةً. لذلك، الخطاب الجديد، إن جاز التعبير، ليس موجهاً إلى مجموعتي أو المؤيدين المعتادين لهذا الخطاب، بل إلى الناس الذين لا يعرفونني والذين أتمنى أن يشاهدونا ويسمعونا فعلاً.

■ ماذا ستقول للناس؟
الإكثار من الكلام مع الناس مضرّ. نحن في وضع اقتصادي واجتماعي يئنّ كل بيت منه. ولقد سبق هذا الوضع كلامٌ كبير (من قبل السيسي) منذ «هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه»، لحدّ «إنتم نور عينينا»، مروراً بـ«مفيش أسعار رح تتحرك»، وصولاً إلى سياسة القروض وقوله «نحن فقراء قوي»، على الرغم من أن هناك بذخاً حكومياً في الإنفاق. يمكننا الحديث عن العدالة الاجتماعية وعن الفساد ومكافحته إلى ما لا نهاية، ولكن السؤال هو كيف. وكيف يتحقق ذلك من دون الناس.
وما دام الناس غير قادرين على فرض ذلك، ربما تتغير الموازين من خلال صناديق الاقتراع، حتى لو لم يحصل نجاح. لكن بالتأكيد هناك فرق بين الكتلة التصويتية التي تتشكل من مئة ألف صوت، وبين تلك التي تبلغ خمسة أو ستة ملايين. يبقى الرهان على كيفية إدارة العملية الانتخابية من قبل النظام. هل النظام سيفتح المجال بزعم أنه قوي ولأنه مطمئن إلى النتيجة؟ الرجل حقق إنجازات برأيه كبيرة وعظيمة جداً، ولكن أنا أزعم أن الشارع المصري يبحث عن بديل للخروج من هذا الظلام، والقفز عليه إلى مساحات أكثر وضوحاً.
في الوقت نفسه، على الخطاب أن يحافظ على سقف واقعي. فعلى سبيل المثال في تجربة اليونان، لقد طرح حزب «سيريزا» خطاباً عالياً جداً، وحين صعد إلى السلطة لم يستطع أن ينفذه، فاضطر إلى أن يتخذ خطوة إلى الوراء. فهل يمكن الآن أن تحقق عدالة اجتماعية في مصر في المرحلة المقبلة؟ أنا أزعم أن المرحلة الآتية يمكنها أن تشهد تأسيساً للوصول إلى العدالة الاجتماعية، ولكن هذا التأسيس يحتاج إلى إرادة سياسية وهي ليست موجودة لدى النظام الحالي.

■ المصريون مدركون لتركيبة المصالح المعقدة بين أحهزة معينة، مثل الجيش والشرطة والقضاء. ما هو تصورك للتعاطي مع هذا التعقيد في حال وصولك إلى الرئاسة، لئلا تتكرر تجربة مرسي الذي كان رئيساً منفصلا عن أجهزة الحكم؟
شبكة المصالح موجودة في مصر تاريخياً، ويتم تفكيكها وتركيبها حسب توازن القوى في الشارع. الموضوع لا يتم بالضغط على زرّ ما. لو حصل نجاح فعلاً في هذا الاستحقاق، هذا يعني أنه قد تم تغير في موازين القوى في الشارع، وأن هناك كتلة تصويتية أدت إلى هذا الإنجاز. لو كان «الإخوان» عملوا على حكم ائتلافي وتجمعوا مع قوى الثورة وقدموا تجربة ديموقراطية، مثلما كانوا قد وعدوا، هل كان ممكن أن يحصل حراك في الشارع ضدهم؟ لكنهم فضّلوا الاستحواذ على السلطة وترميم دولة مبارك. هذا هو الفرق بين كيفية استخدام الكتلة التصويتية في حالة الفوز، باعتبارها تعبيراً عن تيار متنوع، وليس وجهة نظر أحادية للذي نجح فقط.

■ بالعودة إلى شرط توافق قوى ثورية ومدنية قبل الترشح الرسمي. في المسار العملي ما الذي تفعلونه حالياً؟ هل هناك لقاءات أو مبادرات؟
هناك لقاءات مستمرة بين هذه القوى، ولكن لا أستطيع أن أفصح عن هوية الجهات ولا عن مضمون هذه اللقاءات. لكن الأكيد أن هناك تنشيطاً للمجال السياسي، والكل يحاول أن يجيب عن سؤال كيف يمكن الخروج من هذا الأمر، وكيف يمكن خوض معركة انتخابية ناجحة.

■ ماذا عن دور «الإخوان» في هذا المسار؟
هذا سؤال يُطرح عليهم. يبدو أنهم اتخذوا خطوة إلى الوراء، بغرض التفاوض مع الدولة. يعني مثلاً هم لم يشاركوا في انتخابات اتحادات الطلبة، ولا النقابات المهنية، أو انتخابات مجلس الشعب. وهذا كان قراراً منهم. بالتأكيد، هناك مفاوضات غير معلنة بينهم وبين الدولة، وقد يكونوا يجهزون لمرشح أيضاً، وقد يتحالفون مع أناس من المحسوبين على الدولة بهدف أن يكون رجلاً تابعاً للنظام في مواجهة رجل تابع للنظام.

■ في برنامجك الانتخابي هذه المرة، ماذا سيكون موقفك من «كامب ديفيد» ومن الصراع العربي ــ الإسرائيلي؟
الموقف من معاهدة «كامب ديفيد» لن يختلف عن الموقف منها في برنامجي عام 2012، أي استمرار الالتزام بها مع إعادة النظر بمضمونها، بالتزامن مع إعادة الزخم للقضية الفلسطينية والوصول إلى تسوية عادلة يرضاها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، بعدما توارت هذه القضية بفعل الصراعات العربية. الآن، نحن في نقطة أسوأ من تلك التي وصلنا إليها في 1996 أو 2000، ويجب إعطاء هذا الملف حقه وإيضاح الصورة، وخصوصاً أنه في الإعلام أصبح خاضعاً لوجهات النظر وفقاً للصراعات الأخرى، حيث يتم الهجوم على الفلسطينيين. ولقد قمت سابقاً بحملة شعبية لأشقائنا الفلسطينيين خلال الحرب الأخيرة على غزة، لمدّهم بالأدوية.

■ ... وبالنسبة إلى الأزمة السورية؟
الأزمة السورية معقّدة وقد تحولت إلى مسرح للقوى السياسية على مساحة الشرق الأوسط، لدرجة أن المفاوضات أصبحت تتم بين روسيا وتركيا وأميركا. حتى إن السعودية وإيران، لم تعودا أرقاماً حاسمة في المعادلة. أنا أعتقد أن أي نجاح في الملف السوري، هو رهن بالشعب السوري عبر طرح حل في سبيل الحفاظ على الدولة والحؤول دون تفتيتها.