في 4 أيار/مايو المقبل، سوف ينتخب الجزائريون أعضاء المجلس الشعبي الوطني الـ462. ورغم أن الإعلان عن تاريخ إجراء الانتخابات عبر مرسوم رئاسي حفّز القوى السياسية على البدء بإجراء الصفقات وإعادة التموضع، ولا سيما لدى الفصائل الإسلامية التي تسعى إلى توحيد صفوفها للفوز بمقاعد، تبقى الانتخابات التشريعية في الجزائر حدثاً لا يثير اهتمام الناخبين.
وليس ذلك بالأمر المفاجئ، ففي عام 2012 فازت القوى التي تستحوذ أساساً على السلطة في الانتخابات، فسجلت جبهة التحرير الوطني المركز الأول، حائزةً 220 مقعداً، فيما فاز التجمع الوطني الديموقراطي، الذي حلّ في المركز الثاني، بـ68 مقعداً. وقد بلغت نسبة الأشخاص الذين امتنعوا عن المشاركة في الانتخابات حداً عالياً طاول الـ57%، كما رُصدت عمليات تزوير خطيرة أدّت إلى التشكيك في شرعية الانتخابات برمّتها. فقد سجّلت اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات التشريعية 150 شكوى وحالة اشتباه بعمليات تزوير، كان البعض منها موجهاً ضد وزيرين في الحكومة آنذاك.
فضلاً عن ذلك، إن النتيجة المعروفة سلفاً للانتخابات، أي فوز الحزبين المهيمنين على السلطة، والمحاصصة بينهما، وافتقار شريحة كبيرة من المعارضة إلى أي صدقية وخضوع الشريحة الأخرى للنظام، كلها عوامل تثبت أن الهدف من الانتخابات في الجزائر ليس تغيير مكونات المجلس الشعبي الوطني، بقدر ما هو ضمّ فصائل معارضة جديدة إلى الائتلاف الحاكم وإقصاء أخرى. ولا يمثل تبنّي النظام للعملية الانتخابية والتزامه الشكلي بالمعايير الديموقراطية تغيّراً عميقاً في النظام السياسي، بل مجرّد تحوّل في طبيعة الحكم السلطوي. لا بل إن التاريخ السياسي للجزائر والتحليل الدقيق للانتخابات المتتالية يثبتان أن العشائرية وشبكات المصالح والزبائنية تعلو على التمثيل الحقيقي للشعب الجزائري.

قناع ديموقراطي

لذا، فإن الهدف من الانتخابات إذاً هو، من جهة، القضاء على فعالية جزء من المعارضة عبر دفعها إلى تبنّي منطق النظام، ومن جهة أخرى إقصاء الجزء الثاني من المعارضة الذي قد ينافس النظام على السلطة، وذلك عبر عزل نتائج الانتخابات والتلاعب بها. وفي نظام سياسي مماثل، حيث السلطة الفعلية ليست بيد المؤسسات، لا تهدف الانتخابات إلى انتقال السلطة، بل إلى تعديل التوازنات داخل المنظومة نفسها: فبدلاً من تمثيل التيارات المختلفة في المجتمع، ليس النظام الحزبي إلا انعكاساً لتواطؤ القوى السياسية مع النظام وانفصالها عن الناخبين.
وفي تحليله للأحزاب السياسية في الجزائر، يعتبر عالم الاجتماع الهواري عدي، أن «النظام الجزائري، المتماهي مع الدولة، لا يتوقع من الأحزاب السياسية أن تتنافس للوصول إلى السلطة باسم الشرعية الانتخابية، بل هو يريد منها أن تمثّل الشعب في المؤسسات وأن تعبّر عن مطالبه في إطار احترام منطق النظام المهيمن. وبالتالي، فإن الناخبين ليسوا كتلة ذات سيادة، بل هم أحد اللاعبين الذين يجب تبنّي مطالبهم الاجتماعية (كالوظائف والسكن والصحة، إلخ.) لإرضائهم قدر الإمكان. وينبغي على الأحزاب، وفق هذا المنطق، أن تسعى إلى تعديل هذه المطالب لكي تتلاءم مع قدرات الدولة، مؤدية بالتالي دوراً نقابياً».
وقد طوّرت الباحثة لويزا دريس آيت حمادوش، هذه الفكرة، معتبرة أنه في ظل ضبابية هذا النظام السياسي الذي لا تنبع عملية صنع القرار فيه من المؤسسات فحسب، بل من جهات غير رسمية ومن تكتلات المصالح، يقتصر منطق النظام على «تجنّب الاضطرابات». ووفق الباحثة نفسها، يتطلب بقاء النظام وإعادة إنتاجه لنفسه «منع التعبئة الشعبية من التحوّل إلى تعبئة سياسية»، علماً بأن النظام قد يلجأ إلى العنف عندما تكفّ الأحزاب عن أداء هذه المهمة. ففي انتخابات كانون الأول/ ديسمبر التشريعية عام 1991، وبالرغم من الشعبية الواسعة للجبهة الإسلامية للإنقاذ التي انعكست في صناديق الاقتراع، فرض النظام إرادته بالقوة، وانقلاب عام 1992 دليل دامغ على رفض النظام أي منافسة حقيقية على السلطة. فمع أن الجبهة الإسلامية لم تكن تعارض الأسس الإيديولوجية للنظام السياسي، تمّت محاربتها بسبب دورها المحوري في المعارضة ومحاولة استيلائها على السلطة.
وحتى مع وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى الرئاسة (1999) وتفضيله استراتيجية المساومة واستقطاب الخصوم، لا تزال الأحزاب ممنوعة من العمل بشكل مستقل عن النظام ومن حمل لواء المطالب الاجتماعية وتمثيل المصلحة العامة. فهي مُطالبة بأن تبقى خاضعة للدولة، مقابل الحصول على حصة من ريع الدولة، وأن تؤدي وظيفة إضفاء الشرعية على الحكم، وبالتالي على تكتلات المصالح الخاصة التي تحتل الإدارات العامة وتعمل كطفيليات منظّمة. وتستفيد تكتلات المصالح هذه كثيراً من توزيع ريع الدولة بفضل العلاقات التي نسجتها داخل الأحزاب والأجهزة الأمنية والمؤسسات الإعلامية ومع السياسيين. ولكن، في نهاية المطاف، وكما تثبت لنا الأزمات السياسية المتتالية والتنافس على السلطة، لا بد من أن يسقط القناع الديموقراطي للنظام السياسي عاجلاً أو آجلاً.