وافقت القمة الأفريقية، التي عُقدت في 30 كانون الثاني/يناير الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، على عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الأفريقي، بعدما كانت قد انسحبت من منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1984، احتجاجاً على اعتراف المنظمة بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية التي ترفض السيادة المغربية على الصحراء الغربية.
وقد استبشر الكثير من وسائل الإعلام خيراً بهذه العودة (فبعض المراقبين مثلاً عدّها انتصاراً للمغرب)، خصوصاً في ما يتعلق بحلحلة ملف الصحراء الغربية ومستقبل أفريقيا بعد ذلك. إلا أن كلاً من الأطراف المعنية، أي الجزائر والجمهورية الصحراوية من جهة والمغرب من جهة أخرى، يفسّر هذا التطوّر، الذي يحظى باهتمام إعلامي واسع، لمصلحته. فالرباط ترى أن قبول عضويتها مجدداً في الاتحاد، بعد حملة دبلوماسية مكثفة دامت لعشر سنوات، أتت بلا قيد أو شرط، فيما ترى الجزائر والجمهورية الصحراوية أنّ الرباط في الحقيقة تنضمّ (فمصطلح «العودة» غير دقيق بالنسبة إلى المسؤولين الجزائريين) إلى منظمة جديدة تعترف بسيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية على الصحراء الغربية.
ولكن هذا النزاع، كغيره من الملفات التي تهدّد استقرار أفريقيا، يُظهر عجز الاتحاد الأفريقي عن توفير الموارد اللازمة لحل الأزمات أو إيجاد المخارج لها. فسعياً إلى تبني نهج مختلف عن ذاك الذي اتبعته منظمة الوحدة الأفريقية، التي بدت قليلة التأثير، حاول قادة الدول الأفريقية إطلاق سياسة جديدة للقارة السمراء ذات أهداف سياسية أكثر تواضعاً من السابق، لكنها مدعّمة بأجهزة تبدو أكثر فعالية، مثل المفوضية والبرلمان الأفريقيين ومجلس السلم والأمن. ولكن إضافة إلى الصراعات الداخلية لتولي قيادة الاتحاد (تغطي ثلاث دول، هي نيجيريا، جنوب أفريقيا والجزائر، 60 في المئة من ميزانية الاتحاد الأفريقي)، يبدو الاتحاد الأفريقي، تماماً كما منظمة الوحدة الأفريقية سابقاً، عديم الفعالية. ففي حالتي ساحل العاج وليبيا مثلاً، أثبت الاتحاد عجزه وانكشفت انقساماته الداخلية أمام فرنسا التي فرضت «تسوية» سياسية بالقوة. كذلك، فإن الاتحاد الأفريقي عاجز أيضاً عن إيجاد حلّ لملف الصحراء الغربية، خصوصاً مع تمسّك المغرب والجزائر بموقفيهما. فالرباط ترى أن انضمامها إلى الاتحاد لا يتناقض مع ضمّ الصحراء الغربية إلى أراضيها، فيما تتوقع الجزائر والجمهورية الصحراوية من خصمهما المغربي أن يحترم مبادئ الاتحاد الأفريقي الذي يعترف بحق سكان الصحراء الغربية في تقرير مصيرهم.
للاتحاد الأفريقي غاية رسمية هي تعزيز العلاقات بين دوله الأعضاء، ولكن واقع الحال يشير إلى أن المصالح المتعددة لكل دولة تطغى على النيات الحسنة التي وُلدت إبّان النضال ضد الاستعمار بهدف تعزيز موقع الدول الأفريقية في مواجهة القوى العالمية، وما «عودة» المغرب الصاخبة إلى الاتحاد سوى دليل ساطع على ذلك. فسياسة «المقعد الخالي» التي اتبعتها الرباط لم تؤدّ إلى النتائج المتوقعة (أي طرد الجمهورية الصحراوية من منظمة الوحدة الأفريقية)، ويبدو أن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، التي تُصوَّر على أنها انتصار، لها أسبابها المتعلقة بالسياق الحالي. ففي الواقع، وإضافة إلى رغبة المغرب في الخروج من العزلة الدبلوماسية الأفريقية، تأتي هذه المبادرة تتويجاً لسياسة الرباط الاقتصادية الطموحة في القارة الأفريقية.
وفق صحيفة «لوموند» الفرنسية، التي تحدثت عن «إمبراطورية محمد السادس الأفريقية» في عددها الصادر في 27 كانون الثاني/يناير 2017، يسعى المغرب إلى توسيع رقعة نفوذه في أفريقيا. وقد أعلنت الصحيفة نفسها في حزيران/يونيو من العام الماضي أن المغرب بات المستثمر الثاني على صعيد القارة بعد جنوب أفريقيا، والمستثمر الأول في غرب أفريقيا، كذلك فإنه يواصل غزوه الاقتصادي لشرق القارة. فالمغرب يصدّر 5.2 في المئة من إنتاجه، أي ما يعادل 1.8 مليار دولار، إلى السوق الأفريقية، إضافة إلى تفوقه في صناعة السيارات، محرزاً 90 في المئة من الإنتاج الأفريقي في هذا المجال. لذا، بفضل نجاحاته الاقتصادية، يعود المغرب بثقة إلى الاتحاد الأفريقي في جوّ من التنافس مع الجزائر، التي تسجل أداءً ضعيفاً في ميدان المنافسة الاقتصادية الأفريقية، بالرغم من التقدم الذي أحرزته في خلال منتدى الاستثمار الأفريقي في كانون الأول/ديسمبر الماضي. ولتحقيق خرق التعاون وتطويره بين دول الجنوب، تسعى الجزائر في مقاربتها إلى تعزيز المنتج المحلي وفتح فرص جديدة للتصدير، بما يتلاءم مع الأهداف المنشودة في سياسة التنمية الاقتصادية الخماسية (2015-2019).
في الواقع، يشكّل الاتحاد الأفريقي ساحة تنعكس فيها علاقات القوة بين الدول الأفريقية، ولا سيما من حيث المقدَّرات الاقتصادية والعسكرية. وبالتالي، يُخشى أن يستمر الشلل في الاتحاد ما دامت دوله الأعضاء تتبع استراتيجيات أنانية على حساب مصالح الأفريقيين المشتركة.