تأتي زيارة وفد أمني رفيع المستوى من حكومة غزة السابقة، التابعة لحركة «حماس»، إلى القاهرة، ملتصقة بسياق متصاعد من تحسن العلاقة مع مصر، وذلك بعد زيارتين سياسيتين على مستوى عالٍ نفذها قادة الحركة للقاهرة في خلال أقل من شهر ونصف، قاد الأولى النائب الثاني لرئيس المكتب السياسي في الحركة، موسى أبو مرزوق، فيما قاد الثانية النائب الأول إسماعيل هنية، بحضور أبو مرزوق أيضاً، ومعه الأسير المحرر وعضو المكتب روحي مشتهى، الذي استهدفه التحريض الإسرائيلي كثيراً في الأسابيع الأخيرة، في خلال زيارتين له لإسطنبول والدوحة.
في موازاة ذلك، تتجدّد معركة النفوذ بين جهاز المخابرات الحربية التابع للجيش المصري، والمخابرات العامة التابع لوزارة الداخلية، وهي معركة تصاعدت منذ شهرين، وتحديداً بعد سعي «العامة» إلى «استلام ملف سيناء... ومعه غزة»، كما تفيد بذلك مصادر متابعة للموقف، أكدت أن الأخيرة تريد أن «تعدّ ملفاً كاملاً عن التصور الذي يمكن به إدارة الأمور، من محاربة داعش وإرضاء القبائل وتحسين المعيشة والتعاون مع حماس والمنطقة التجارية الحرة»، كي تقدمه إلى السيسي، على أن يكون ذلك بعد إثبات أن «الحربية»، التي كان الرئيس المصري نفسه يرأسها قبل ترقيته إلى منصب وزير الدفاع في سنةِ حكم الرئيس محمد مرسي، أخفقت في إدارة ملف سيناء وغزة، مشيرة إلى خطوة لاحقة هي «عقد اجتماع يشمل كل عشائر سيناء».

نفذّت «الحربية» عمليتي
اعتقال للتعبير عن رفض
التصالح مع «حماس»

جراء ذلك، لم تقف «الحربية» صامتة أمام سحب البساط من تحت قدميها، وأيضاً الاتهام بأن «سياساتها أدت إلى تفاقم الأزمة في سيناء طوال السنوات الثلاث والنصف الماضية، وكذلك العلاقة بحماس». كان الردّ الأول اعتقالها قيادياً في «ألوية الناصر صلاح الدين»، الذراع العسكرية لـ«لجان المقاومة الشعبية»، في منطقة الإسماعيلية فجر السبت الماضي (ج. أ)، وشقيقه. أما الثاني، الذي جاء متزامناً مع سفر الوفد الأمني، فكان اختطاف أحد عناصر «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، من عائلة (أ. ل.)، وذلك من على كمين الريسة، الملقب بـ«كمين الموت» على الطريق بين رفح والقاهرة، مساء أول من أمس.
رغم ما ستثيره هاتان الحادثتان، اللتان تذكّران بسيناريو خطف أربعة من عناصر «القسام» في سيناء في آب 2014 واختفاء أثرهم بعد ذلك، فإن «العامة» طلبت من فصائل المقاومة، خاصة «اللجان» و«القسام»، التريث قليلاً وتجنب تصعيد الموقف سياسياً أو إعلامياً، حتى تستطيع العمل على حل القضية من الداخل، كذلك تفيد مصادر فلسطينية في المقاومة في غزة، ناقلة عنها وعداً آخر بالعمل على ملف الأربعة المخطوفين سابقاً.
تكمل تلك المصادر أنه كان قد صدر تعميم داخلي يشدد على «ذوي الاختصاصات» في الأذرع العسكرية للمقاومة، خاصة الضفادع البشرية والتصنيع ووحدات الاقتحام والأنفاق، تجنب السفر كلياً من أي من معابر غزة، لكن المخطوف على كمين الريسة، وقد تضاربت الروايات حول سبب سفره للعلاج من إصابة تلقاها في الحرب الأخيرة على القطاع أو للدراسة وكذلك وجهته، كان قد «غادر على عاتقه الشخصي».
بالعودة إلى زيارة الوفد، الذي ترأسه قائد القوى الأمنية في غزة توفيق أبو نعيم وخرج في اليوم الأخير من الفتح الجزئي لمعبر رفح مطلع الأسبوع الجاري، فإنه وفق مصادر في غزة، سيبحث في «قضايا عالقة منذ سنوات»، كذلك يضم مسؤولين آخرين، دون الإشارة إلى حضور رسمي لمسؤولين في المقاومة، أو أن الأمر مقتصر على قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
وأكثر من مرة، كان الحديث المصري وكذلك الفلسطيني مشتركاً حول مطلب «العامة» تسليم مطلوبين هاربين في غزة وآخرين معتقلين لدى سجون الحكومة السابقة، بسبب انتمائهم إلى السلفية الجهادية عموماً أو علاقتهم بتنظيم «ولاية سيناء»، ليقدّم ذلك كمفتاح حلّ أمام باقي الأجهزة الأمنية في مصر، ولكن الأمر كان يصطدم بوجود أسماء تنتمي إلى المقاومة الفلسطينية وأخرى لا علاقة لها بأي عمل أمني. كذلك تشترط السلطات المصرية «تفعيل قنوات التواصل الأمني والتبادل المعلوماتي لمنع تسلل أي شخص من سيناء حتى لو كان بغرض العلاج»، إضافة إلى المطلب المتفق عليه، وهو «تعزيز الدوريات الأمنية من الجانب الفلسطيني على الحدود».
اللافت أن المسؤولين في المخابرات العامة ركزوا على «تفعيل اللجان التي اقترح تشكيلها خلال المؤتمرات الأخيرة» التي عقدت في مدينة عين السخنة المصرية، لبحث أزمات القطاع، علماً بأن المؤتمرين المعقودين نُسبا لجهة التنظيم والتنسيق لفتح معبر رفح وسفر المدعوين إليهما، إلى القيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان. هنا تحديداً تتضارب المصادر من داخل «حماس»، بين نافٍ حدوث أي لقاء بين هنية ودحلان، وبين آخرين يتحدثون عن طلب مصري لعقد اللقاء ووعد من الحركة بدراسة القضية، فضلاً عن الشائعات التي أثيرت حول لقاء سري عُقد بينهما.
وبجانب المعارضة التي قد يتلقاها هنية لاجتماع مثل ذلك من داخل «حماس»، ورغبته في تأجيل أي لقاءات رسمية إلى ما بعد انتهاء انتخابات المكتب السياسي التي قد تأتي به إلى رئاسته، فإنّ لقاءً كهذا سيثير غضب رئيس السلطة محمود عباس، في وقت يمكن وصف المشهد فيه بين «حماس» و«فتح» بالهدنة، بعد «عاصفة الكهرباء» الأخيرة.
في المقابل، نفى مصدر عسكري مصري أن تكون قوات الجيش قد أوقفت أي فلسطيني اجتاز معبر رفح خلال الأيام القليلة التي فتح فيها، مشيراً إلى أن «قائمة الفلسطينيين الممنوعين من دخول مصر أو الصادرة بحقهم أحكام قضائية غيابية مسجلة في المعبر، ولا يمكن أي شخص العبور دون مراجعة أمنية دقيقة... لذلك لا داعي لجعله يمر ثم خطفه». وأضاف هذا المصدر: «السلطات (الأمنية) لم تتلقّ أي بلاغات بشأن حالات اختفاء لشباب على غرار الأربعة الذين اختطفوا في خلال توجههم إلى القاهرة قبل عامين... نبحث في شهادات المسافرين، خاصة أن الفلسطينيين يتحركون في مجموعات (حافلات) من المعبر».
وبالسؤال عن تكرار شكاوى المسافرين من التعامل الأمني الفظّ ومصادرة ما في حقائبهم على الحواجز وإيقافهم على «الريسة» وحده لأكثر من 24 ساعة (راجع أيضاً: طريق غزة ــ القاهرة: حواجز للإهانة... وللسرقة، العدد 3063 في 21 كانون الأول 2016)، ردّ المصدر الأخير بالقول، إن إجراءات التفتيش المبالغ فيها داخل المعبر أو في الطريق إلى القاهرة ستتواصل حتى إشعار آخر، بسبب التخوف من عمليات الاستهداف للجنود، وهي «إجراءات قانونية... قد تصدر بعض التصرفات خاصة من الجنود الذين شاهدوا زملاءهم يستشهدون أمامهم برصاصات الغدر والإرهاب، وهذا الحاجز استهدفته أنصار بيت المقدس أكثر من أربعين مرة».
واستدرك بأن هناك «تقدير موقف يدرس تجهيز حافلات سفر من المعبر مباشرة إلى القاهرة بالتنسيق مع وزارة الداخلية، وذلك على أن يكون التفتيش الدقيق في المعبر وعلى نقطتين طوال الطريق... وعلى أن ترافق الحافلات قوات تأمين وتتحرك في مواعيد محددة في طريقها إلى القاهرة والإسماعيلية».