الجزائر | قررت الرئاسة الجزائرية الاستئثار بملف الأزمة الليبية، عبر توكيل مدير ديوانها أحمد أويحيى، بالإشراف المباشر على الوساطات التي تقيمها بين الفرقاء الليبيين. ويأتي ذلك في وقت تحاول فيه الجزائر سحب البساط من أمام تصورات أخرى للحلّ تريد فرضها قوى أجنبية لإنهاء حالة الفوضى في ليبيا التي تهدد كامل المنطقة.
في هذا السياق، كلف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مدير ديوانه والرجل القوي في الرئاسة معالجة الملف الليبي، وفق ما نقلت مصادر إعلامية جزائرية. وظهر أويحيى في لقاء جمعه في تونس بقيادات ليبية محسوبة على «جماعة الإخوان المسلمون»، من أجل التباحث في فرص تسوية الصراع القائم بين الفرقاء هناك، ليؤكد تلك الأخبار التي راجت حول إشرافه على الملف الجارة الشرقية لبلاده.
واللافت أن أويحيى الذي نادراً ما يقبل الظهور في غير الاجتماعات الرسمية، قد حضر لقاءً في بيت زعيم «حركة النهضة» التونسية، راشد الغنوشي، وجلس بين قياديين من زعامات التيار الإسلامي في تونس وليبيا وتحادث معهم خصيصاً في المسألة الليبية. وكان من بين الحاضرين الوجه الإخواني البارز في ليبيا وعضو «الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» علي الصلابي، وهو من أبرز داعمي حكومة طرابلس.
يشير مصدر ديبلوماسي، تواصلت معه «الأخبار»، إلى أن الرئاسة الجزائرية، غالباً ما تعتمد هذا الأسلوب في القضايا التي ترى أنها مصيرية، بمعنى أنها توكل ملفاً بكامله لرجل ثقة يشرف عليه ويكون على «تواصل مباشر ودائم مع الرئيس بوتفليقة من أجل الاتفاق على كل تفاصيل المبادرات التي تطرحها الجزائر ومتابعتها لحظة بلحظة».
ويوضح الديبلوماسي أن أويحيى من بين أهم رجالات بوتفليقة، وهو «يمتلك خبرة واسعة في المجال الديبلوماسي الذي يعد مجال اختصاصه عند تخرجه في المدرسة العليا للإدارة بالجزائر، كذلك كان له جهد معتبر في عدد من القضايا التي تخصّ منطقة الساحل المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمخرجات الأزمة الليبية حالياً».
وفق الديبلوماسي الجزائري، ثمة نقطتان على الأقل دعمت أويحيى ليكون قائداً للديبلوماسية الجزائرية في ليبيا: الأولى كونه ملماً جيداً بآليات تحقيق المصالحة الوطنية، فقد كان رئيساً للحكومة في الجزائر عندما طرح بوتفليقة هذا المشروع على الجزائريين سنة 2005 وتكفلت الحكومة بإعداد قوانينه، والثانية أن له قدرة كبيرة على إدارة التفاوض، وهو ما ظهر بصورة جلية في خلال الأزمة الخطيرة التي عرفتها الجزائر في ما يعرف بالربيع الأسود، وذلك عندما انتفضت مناطق القبائل (الأمازيغ) على السلطة سنة 2001، وانتهت بأحداث دامية خلفت عشرات القتلى والجرحى، وتطلب وقفها مساراً طويلاً من التفاوض مع أبناء المنطقة.
ورغم أنه لا بيان رسمياً بخصوص فحوى اجتماع أويحيى مع الشخصيات التونسية والليبية، فإن معلومات تفيد بتأكيده للأطراف، التي تباحث معها، رغبة الجزائر في ترسيم الأجندة السياسية للحل وإبعاد أي شبح للتدخل الأجنبي في المنطقة من جديد يجعل ليبيا بؤرة لاستقطاب الجماعات الإرهابية الفارة من مناطق الحروب الحالية في الشرق الأوسط خاصة سوريا.
في هذا الإطار، يقول مراسل جريدة «الخبر» الجزائرية في تونس، عثماني لحياني، إن اللقاء جاء لقطع الطريق على محاولة أطراف دولية وعربية لتشجيع اللواء خليفة حفتر المسيطر على المناطق الشرقية بليبيا على حسم المعركة مع خصومه السياسيين عسكرياً من أجل تحسين شرط أي تفاوض ممكن. ويشير لحياني إلى أن «الجزائر تحاول منع أي طرف أجنبي من محاولة خلق حالة فوضى تتيح فتح منافذ لانتقال المقاتلين التونسيين والليبيين من سوريا».
في المقابل، ترى قراءات أخرى أن الجزائر تريد بهذه اللقاءات إيجاد حل لما تراه الصراع الأكبر القائم اليوم بين ما يسمى حكومة طرابلس وحكومة طبرق، الذي جعل مهمة حكومة الوفاق الوطني المعلنة برعاية أممية شبه مستحلية في فرض سلطتها التي تظل شكلية مع وجود سلطة الأمر الواقع المحسومة لمصلحة الأطراف السياسية القوية المدعومة من الميليشيات.
وخلال استقبالها حفتر في منتصف كانون الأول الماضي، حققت الجزائر اختراقاً مهماً على القوى المسيطرة على الجهة الشرقية في ليبيا، وبذلك تكون وفق قراءات قد عززت موقعها التفاوضي بين مختلف الأطراف المتصارعة في ليبيا، ما يؤهلها للعب دور وساطة من الدرجة الأولى في حل الأزمة وإعادة الأمور إلى نصابها في هذا البلد الذي يشكل وضعه الحالي هاجساً أمنياً كبيراً.
وكانت الخارجية الجزائرية قد تعرضت لانتقادات لاذعة، خاصة من سفير الجزائر السابق لدى بروكسل حليم بن عطاء الله، الذي عاب عليها التقصير في التعاون مع حكومة طبرق وتفضيل العمل مع حكومة الوفاق الوطني التي لا تملك من واقع الأمر شيئاً على الأرض، كذلك فإنها «ليست سوى حكومة وهمية فرضتها حسابات غربية». لكن توجس الحكومة الجزائرية في التعامل مع حفتر كان يكمن دائماً في استقوائه بقوى عربية مثل مصر والإمارات، وأخرى دولية مثل فرنسا لا تملك معها الجزائر الرؤية نفسها للحل.
وتروج معلومات بعد زيارة الرئيس التونسي الأخيرة للجزائر عن وجود إمكانية لعقد قمة جزائرية ــ مصرية ــ تونسية مرتقبة، لترتيب صفقة جديدة تجرب تعديلات على اتفاق الصخيرات، وذلك بمنح منصب وزير الدفاع لحفتر، ضمن خطة شاملة تبدأ بمرحلة انتقالية لسنتين، وتنتهي بتنظيم انتخابات تتيح بناء المؤسسات الدستورية الليبية الدائمة.