تكثّف موسكو حراكها السياسي في سياق التحضيرات الجارية لجولة المحادثات السورية المرتقبة في جنيف، بعد ما حققت إنجازاً مهماً على الصعيد الميداني، عبر إقرار اتفاق وقف إطلاق النار بالتوافق مع أنقرة وطهران. وتشير استعداداتها إلى أنها تعمل جاهدة على تقديم وفد معارض موحّد وواسع الطيف، لكسر النمط الذي ساد جولات جنيف الماضية المتمثل في احتكار المقعد المعارض لمصلحة طرف واحد مع تحييد باقي الجماعات.
وبدا لافتاً إعلان موسكو، بشكل منفرد، تأجيل الموعد المقرر لجولة المحادثات في الثامن من شباط المقبل، في ضوء عدم تأكيد من قبل الأمم المتحدة المسؤولة عن تنظيم الدعوات والمواعيد.
وفي مفارقة تعكس مقدار الخرق الذي حققه تفاهم ثلاثي أستانة على الأرض، أعلن «مركز تنسيق المصالحة» الروسي في قاعدة حميميم، أمس، أن الجانب الروسي في اللجنة الروسية ــ التركية المشتركة لمتابعة اتفاقية وقف إطلاق النار «لم يرصد أي خرق لها خلال الساعات الـ24 الماضية». في وقت تواصلت فيه الاشتباكات بين «جبهة فتح الشام» وعدد من الفصائل الإسلامية في أرياف محافظتي إدلب وحلب.

عرضت «أحرار الشام» مبادرة لوقف
القتال و«إنقاذ
مسار الثورة»

وشهدت بلدات إحسم ودير سنبل جنوب إدلب تجدداً للاشتباكات بين «فتح الشام» وكل من «أحرار الشام» و«صقور الشام»، في وقت تحدثت فيه مصادر معارضة عن وصول تعزيزات من عناصر «حركة أحرار الشام» إلى بلدة بابسقا، شمالي ريف إدلب، لمؤازرة عناصر «تجمع فاستقم» و«جيش الإسلام» الذين تعرضت مواقعهم لاستهداف بالأسلحة الثقيلة من قبل «فتح الشام». وفي المقابل، استهدفت قوات تابعة لـ«جيش الإسلام» الطريق الواصل إلى بلدة سرمدا في الريف الشمالي لمدينة إدلب.
ومن جهتها، عرضت «أحرار الشام»، عبر بيان لها، «مبادرة لإنقاذ مسار الثورة»، تطلب «وقف جميع التحشيد العسكري في جميع المناطق»، على أن «يتم العمل الفوري لاحتواء جميع عناصر الفصائل المنضمة حديثاً لـ(الحركة)... والقبول بالمبادرة التي تنص على دعوة قادة فصائل الشمال إلى اجتماع عاجل خلال 48 ساعة، يتمخض عنه قيادة موحدة للمناطق المحررة».
وأوضح البيان أن القيادة الموحدة وفق المبادرة تتمثل في «مجلس شورى أعلى من قادة الفصائل وأهل العلم، وتمثيل سياسي موحد وقيادة عسكرية موحدة، ومرجعية شرعية موحدة، وقضاء موحد، لتتولى هذه المؤسسات الإدارة الكاملة لهذه المرحلة الأصعب من عمر الثورة».
وبعيداً عن «الحرب الجهادية» بين الفصائل، أعلنت موسكو على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، قبيل لقاء جمعه إلى ممثلين عن عدة مجموعات من أطياف المعارضة السياسية السورية، أن موعد مباحثات جنيف تم إرجاؤه من 8 شباط المقبل حتى نهاية الشهر نفسه.
وأوضح لافروف أن «تباطؤ المنظمة الدولية في استئناف المحادثات أمر غير مقبول»، مطالباً بـ«استئناف مباحثات جنيف والبدء بمناقشة قضايا التسوية على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254، بما في ذلك إعداد الدستور». ورفض «محاولات المقارنة بين مشروع الدستور الروسي ومشروع الحاكم الأمريكي (بول) بريمر في العراق»، معتبراً أن «المشروع الروسي يتضمن اقتراحات لا يحاول أحد أن يفرضها على السوريين».
وفي المقابل، نفت الأمم المتحدة تأكيد تأجيل موعد انطلاق المحادثات، وأوضحت المتحدثة باسم المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، يارا شريف، أن الأخير سيتوجه الاثنين إلى نيويورك «في إطار تكثيف الاستعدادات قبل مفاوضات شباط»، للتشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة و«إطلاع مجلس الأمن على آخر تطورات الملف السوري». ولفتت المنظمة الدولية إلى أن الدعوات إلى محادثات جنيف «لم تأخذ صيغتها النهائية بعد».
وأضافت شريف أن الأمم المتحدة ترى أن محادثات أستانة «أسفرت عن عدة نتائج، أولاها تمكين طرفي النزاع من الجلوس في غرفة واحدة مع التركيز على وقف إطلاق النار»، وهو ما قد يساعد على خلق ظروف ملائمة لإطلاق «عملية التفاوض السياسية الرسمية تحت رعاية الأمم المتحدة» في جنيف. وأضافت أن «النتيجة الثانية هي آلية مراقبة وقف إطلاق النار التي وضعتها روسيا وتركيا وإيران، وهي خطوة ملموسة نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2236».
وفي سياق متصل، أوضح بيان لوزارة الخارجية الروسية أن ممثلي المعارضة الذين حضروا الاجتماع في موسكو، اتفقوا على أهمية تشكيل «وفد موحد» يشارك في محادثات جنيف المرتقبة، إلى جانب تشكيل مجموعة لدراسة القضايا الدستورية. وأوضح البيان أن ممثلي المعارضة بحثوا مع لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف معطيات محادثات أستانة، واستمعوا إلى «تقييم» الجانب الروسي لتلك المحادثات.
وأشار إلى أن الجانب الروسي قدّم مسودة مشروع الدستور الذي «أعدّه خبراء روس وعرب» لممثلي المعارضة، مضيفاً أنهم أشادوا بجهود روسيا المبذولة لتحقيق تسوية عاجلة على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي ومجموعة الدعم الدولي لسوريا وبيان جنيف 2012».
ووفق البيان، فقد شارك في المشاورات كل من رئيس «مجموعة موسكو» قدري جميل، وممثلا «مجموعة القاهرة» جهاد مقدسي وجمال سليمان، والمنسّق العام لـ«هيئة التنسيق» حسن عبد العظيم، وممثل «منصة أستانة» رندا قسيس، ورئيس «مجموعة حميميم» اليان مسعد، وممثلا «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، خالد عيسى وعلي عبد السلام، ورئيس «تيار بناء الدولة» لؤي حسين.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)