بعيداً عن المشاحنات والاستفزازت التي تخللت أجواء محادثات أستانة التي امتدت ليومين واختتمت أمس، جاءت نتائج الاجتماع وبيانه الختامي وفق طلب الدول الثلاث الراعية للاتفاق، روسيا وإيران وتركيا، والتي أصبحت تعرف بـ«الدول الضامنة».
البيان التزم بما فُصّل له مسبقاً، مكتفياً بالبحث في نطاق العمل العسكري وتثبيت وقف إطلاق النار، من دون الدخول في أيّ دهاليز سياسية، مع أنّ الأتراك وفصائل المعارضة تمكنّوا من تحقيق خرق حسّاس جدّاً في الشكل سوى المضمون ــ لكون الاجتماع وبيانه الختامي لا يخرجان عن سقف القرار الدولي (2254) ــ بإسقاط «علمانية» الدولة السورية من سطوره.
وبعيداً عن هوامش البيان، فإن نواته الأساسية هي إقرار لقاء مشترك يعقد في أستانة، يجمع ممثلين عن الوفدين السوريين و«الدول الضامنة» لصياغة آلية مراقبة وتوسيع وقف إطلاق النار، بالتوازي مع رسم خرائط وخطوط وقف إطلاق النار وتحديد الجبهات التي تعمل فيها «التنظيمات الإرهابية» وفق التصنيف الأممي، وهي «داعش» و«جبهة النصرة»، والفصائل التي ترفض الانخراط فيه والانفصال عن «النصرة»، تمهيداً لعمل عسكري مشترك بين الفصائل الموقّعة والجيش السوري من جهة، ضد التنظيمات «الإرهابية».
ومما لا شك فيه أنّ العراقيل الرئيسية التي لطالما واجهت إجراء «فصل المعتدلين عن النصرة» ستبقى حاضرة في طريق تطبيق الاتفاق على الأرض، الأمر الذي سيتطلب مجهوداً أعمق بكثير مما بذلته «الدول الضامنة» حتى ساعة توقيع الاتفاق، إلى جانب مراعاة الدور السلبي الذي قد تلعبه بعض الدول الإقليمية والغربية التي قد لا تكون راضية عن التهميش الذي طالها خلال هذه المحادثات وما سبقها من تحضيرات.
وفي المجمل، يمكن النظر إلى ما تم في أستانة على أنه حلقة إضافية من التنسيق الروسي ــ التركي، سيكون لها دوران أساسيان في المشهد السوري المقبل، ضمن شروط وظروف لازمة لإنجاحها. ويتمثّل الدور الأول في قدرتها على ضبط إيقاع الميدان السوري وتركيز الجهود العسكرية ضد «داعش» و«النصرة»، بينما يكمن الثاني في مدى فعاليتها في تشكيل حامل أساسي يوفّر ما كان مفقوداً خلال جولات المحادثات الدولية الماضية حول التسوية السورية، وهو إمساك زمام الميدان وتسخيره لخدمة المسار السياسي.

موسكو: ستشكَّل مجموعة عمل تبدأ في بداية شهر شباط

ونصّ البيان المشترك الثلاثي على اتفاق ممثلي الدول الضامنة الثلاث على «سيادة واستقلالية ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، باعتبارها دولة ديموقراطية، متعددة الإثنيات والأديان، غير طائفية»، مشدداً على «عدم وجود حل عسكري للصراع السوري، وعلى أنه قابل للحل فقط من خلال عملية سياسية قائمة على أساس تطبيق قرار مجلس الأمن (2254) بشكل كامل». وأقرّ البيان «العمل من خلال خطوات محددة ومتماسكة وباستخدام التأثير على جميع الأطراف، لتدعيم حالة وقف إطلاق النار عملاً بالتفاهمات الموقّعة في 29 كانون الأول 2016، التي دعمها قرار مجلس الأمن (2336)، بما يساهم في تقليص العنف والحد من الانتهاكات وبناء الثقة وتأمين وصول سريع وسلس ودون معوقات للمساعدات الإنسانية وتأمين الحماية وحرية تنقل للمدنيين». وأكد «اتخاذ قرار بإنشاء آلية ثلاثية لمراقبة وضمان الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، ومنع وقوع أي استفزازات، ووضع الآليات الناظمة لوقف إطلاق النار»، مشيراً إلى «إصرار الجميع على القتال ضد تنظيم (داعش) و(جبهة النصرة)، على أن يتم فصل مجموعات المعارضة المسلحة منها».
ومن جهته، أكد رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري أن الاجتماع نجح في تحقيق هدف تثبيت وقف الأعمال القتالية بما يمهّد للحوار بين السوريين، مشيراً إلى أن محادثات أستانة «عقدت لسبب دقيق وهدف واحد، وهو تعزيز نظام وقف إطلاق النار»، وهي تختلف عن محادثات جنيف المرتقبة. ولفت إلى أنّ قضية آليات التنسيق بين الجيش السوري والمجموعات التي حضرت الاجتماع ووافقت على الاتفاقات، مرتبطة بالتزام تلك الأخيرة والضامنين لها «أي تركيا»، و«هناك مهلة زمنية متفق عليها لدعم وقف الأعمال القتالية، والحكومة السورية ترى أنه يجب ألا تتجاوز مدة سنة». وقال إن «تحديد المناطق شأن سيتولاه الخبراء العسكريون عند لقاءاتهم المقبلة، وسيتم وضع خرائط تفصيلية وتبادل المعلومات بين الضامنين والجيش السوري لتحديد أماكن وجود (داعش) و(النصرة) والمجموعات المرتبطة بهما بدقة ومحاربة هذه المجموعات معاً».
وردّاً على سؤال حول عدم الإشارة إلى النهج العلماني للدولة السورية في البيان الثلاثي المشترك، قال الجعفري إن حذف الإشارة «تم بناءً على طلب تركي وطلب من المجموعات المسلحة المشاركة في الاجتماع»، رغم «إصرار» الوفد الحكومي، بدعم الجانبين الروسي والإيراني له، على تلك النقطة.
وبدوره، أكد رئيس الوفد الروسي الكسندر لافرينتيف، خلال مؤتمر صحافي عقب اختتام اللقاءات، أنه «سيتم تشكيل مجموعة عمل تبدأ عملها في أستانة، بداية شهر شباط المقبل، تضم خبراء عسكريين ومختصين من الجيش السوري وروسيا وإيران وتركيا والمعارضة المسلحة لمراقبة وقف الأعمال القتالية وتأمين الحفاظ عليه».
وفي المقابل، أوضح رئيس وفد المعارضة المسلحة، محمد علوش، أن لدى الوفد «تحفظات» على بيان أستانة الختامي، موضحاً أنهم قدموا «اقتراحاً منفصلاً لوقف إطلاق النار» إلى تركيا لتقديمه إلى الطرف الروسي، ويتوقع أن ترد روسيا في غضون أسبوع على الاقتراح. وأعرب في حديث إلى الصحافيين بعد المحادثات عن ترحيبه «بتحول روسيا من طرف يشارك بنشاط في العمليات القتالية إلى طرف ضامن يؤثر على مواقف إيران والنظام السوري»، مشيراً إلى أن المعارضة المسلحة «لن تسمح بأن يكون لإيران رأي في مستقبل سوريا».