لا شيء بحوزة إسماعيل ولد الشيخ أحمد لتقديمه على طريق الحل السياسي، أو حتى التهدئة الميدانية التي جاء مروجاً لها في صنعاء، على وقع اشتعال أكثر من جبهة في البلاد شهدت بعضها معارك تُعَدّ من الأعنف منذ قرابة عامين على اندلاع الحرب.
التشكيك بدور ولد الشيخ من قبل حركة "أنصار الله" وحلفائها على مدار الأشهر الماضية، انفجر غضباً واسعاً، أمس، في أعقاب زيارته الأخيرة للعاصمة اليمنية. وما إن غادرت طائرة الرجل مطار صنعاء، حتى توالت التصريحات المنددة بالزيارة، إلى حد وضعها من جانب "أنصار الله" في خانة التماهي مع الضغوط العسكرية ميدانياً.
الموقف الأكثر تشدداً جاء على لسان عضو وفد الحركة التفاوضي، مهدي المشاط، الذي رأى أن الأمم المتحدة "تريد العودة بنا إلى ما قبل مشاورات الكويت"، معلناً أن رفض ولد الشيخ "أصبح ضرورة وطنية". واتهم المشاط المبعوث الدولي بالإصرار على "خدمة العدوان بكل وقاحة". وقال المتحدث باسم "أنصار الله"، محمد عبد السلام: "تعودنا من زيارة المبعوث أو حتى من إدارته لملف التفاوض اليمني الذي ترعاه الأمم المتحدة أنه لا يمتلك أي جديد، بل للأسف أصبح يمثل أو يتماهى بشكل رئيسي مع العدوان"، ورأى عبد السلام، في حديث إعلامي، أن ولد الشيخ "لا يملك شيئاً سوى الطلب من الوفد الوطني أن يذهب إلى الأردن لتدريب لجنة التهدئة والتنسيق"، وأنه "جاء ليوحي للعالم أنه يؤدي دوراً سياسياً، لأنه سيقدم إحاطة (لمجلس الأمن) في الـ 26 من هذا الشهر ليقول للعالم: أنا زرت صنعاء وعدن ومسقط". ورأى عبد السلام أنّ التفاوض مع المجتمع الدولي والدول المعنية بصورة مباشرة "أكثر نفعاً".

لم يكن توقيت الزيارة على وقع التصعيد الميداني فحسب


هذه المواقف أتت بعد اجتماع دعا إليه رئيس المجلس السياسي الأعلى، صالح الصماد، وضم كلاً من نائبه، قاسم لبوزة، ورئيس حكومة الإنقاذ، عبد العزيز بن حبتور، ووزير خارجيتها، هشام شرف، وذلك لبحث نتائج زيارة ولد الشيخ.
ما أثار الانزعاج اليمني من الوسيط الأممي، لم يكن توقيت الزيارة على وقع التصعيد الميداني فحسب. ففي اللقاءات التي عقدها ولد الشيخ في صنعاء، سمع الطرف المفاوض مطالب تخرج عن سياق ما كان متفقاً عليه، ولا سيما لجهة البحث في سلة متكاملة، عبر خريطة الحل السياسي المطروحة منذ أسابيع. إذ تجاوز المطلوب من حركة "أنصار الله" وحلفائها ما أعلنه ولد الشيخ في مؤتمره الصحافي عن تفعيل عمل لجان المراقبة لتثبيت هدنة جديدة، إلى أبعد من ذلك، مع طلب بحث ملفات بصورة مجتزأة. وفي حديث فريق "أنصار الله" عن استنسابية طرح الوسيط الدولي إشارة إلى ما مرره ولد الشيخ أثناء مؤتمره الصحافي في صنعاء من تشديد على ضرورة بحث ملف تسليم الأسلحة الثقيلة، بموازاة موقف خافت من قضية حصار مطار صنعاء، وإغفال ما تسببه الغارات الجوية لمقاتلات "التحالف" السعودي من قتل للمدنيين واستهدافهم.
في المقابل، لم يكن موقف حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، من جولة إسماعيل ولد الشيخ على مدينة عدن، مقر هادي وحكومته، أكثر تجاوباً. وكانت "الأخبار" قد علمت أن زيارة ولد الشيخ إلى عدن، الأسبوع الماضي، لم تحمل أي جديد، ولم يسمع خلالها فريق هادي أكثر من ترداد للمواقف السابقة، دون تلبية مطالب هذا الفريق بإدخال تعديلات على خريطة الحل السياسي، وفي مقدمها استبعاد إزاحة هادي عن سدة الحكم.
ميدانياً، شهدت جبهات الساحل الغربي تراجعاً في حدة الاشتباكات الموزعة على أكثر من محور، كان أبرزها في اليومين الماضيين هجوم شنته قوات "التحالف" السعودي، مع القوى الموالية لها في الداخل اليمني، من أجل السيطرة على مدينة المخا الساحلية ومينائها الاستراتيجي، وذلك ضمن عملية "الرمح الذهبي" التي تشرف عليها بشكل رئيسي دولة الإمارات، وتقودها مجموعات قتال جنوبية، من خارج محافظة تعز، تعرف بعدم ولائها، ضمناً، لهادي.
تراجع حدة الاشتباكات، رافقه هدوء إعلامي تلاشت معه التصريحات المعلِنة استعادة المخا ومينائها، بعد أن كانت حكومة هادي أعلنت دخول المدينة رسمياً.
فشل عملية "الرمح الذهبي" في تحقيق أهدافها المتمثلة بإبعاد وحدات الجيش و"اللجان الشعبية" الموالية لحكومة الإنقاذ بصنعاء عن المواقع الاستراتيجية على طول الساحل الغربي، انعكس تخبطاً في إدارة الجبهة، من خلال قيام "التحالف" بشنّ غارة جوية على منطقة كهبوب في محافظة تعز، استهدفت قائد المحور الغربي في القوات الموالية لحكومة هادي، العميد عبد الغني الصبيحي، ما أدى إلى إصابة الأخير بجروح بالغة، ومقتل وجرح عدد من مرافقيه.
"النيران الصديقة" رصدت أيضاً في شارع جمال في مدينة تعز، حيث تجددت الاشتباكات بصورة عنيفة، أمس، بين ميليشيا "أبو العباس" السلفية، المحسوبة على الإمارات، وميليشيا عزوان المخلافي، المقربة من "تجمع الإصلاح" (الإخوان المسلمون)، واستخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وذلك على خلفية اختطاف جماعة المخلافي للشيخ رضوان كواتي، صهر الشيخ السلفي عادل عبده فارع، المعروف بـ "أبو العباس"، وقاضي "اللجنة العدلية" في ميليشيا الأخير.
(الأخبار)