في ضوء المستجدات التي شهدتها معادلات الصراع مع إسرائيل، يبرز أحد أهم إنجازات حزب الله، ومعه فصائل المقاومة في فلسطين، في اختراق الوعي الإسرائيلي، الذي بات يسلّم إلى حدّ كبير بعجزه عن الحسم العسكري، وخوض مواجهات خاطفة. وانعكست هذه المفاهيم في تقديرات صانع القرار السياسي والعسكري في تل أبيب، وفي بلورة خياراته العملانية.
فما كان ثوابت مسلمة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، بات الآن من الماضي، وفي أحسن الأحوال، مجرد تصور مشكوك في فعاليته وصحته. هذه المفاهيم حضرت على لسان رئيس معهد أبحاث الأمن القومي اللواء عاموس يادلين، في اليوم الأول من المؤتمر السنوي الذي يعقده المعهد، ويتناول التهديدات الخارجية والتوترات الداخلية، إضافة إلى علاقات إسرائيل مع دول العالم.
أقرّ يادلين بأنّه «لم يعد هناك نصر حاسم من قبل إسرائيل»، لافتاً إلى أن هذه القصة انتهت في عام 1967، وأنه «لم تعد هناك حروب كهذه، ويجب علينا في إسرائيل أن نفهم أن أعداءنا تعلموا كل نقاط تفوّقنا وضعفنا»، ونتيجة ذلك ستكون «الحروب أطول مما نريد، ولن تكون حاسمة».
ورأى أن مشكلة إسرائيل تقف أمام سقفين مرتفعين جداً، سقف التوقعات بأننا سنهزم العدو، لكن توقع الجمهور الإسرائيلي هو أنّ الجيش سيقوم بذلك خلال 3 ساعات أو 3 أيام، وأن يكون النصر حاسماً والعدو سيستسلم ويرفع الراية البيضاء وكل العالم يصفق.
في المقابل، أوضح يادلين أنه عندما نبلور استراتيجية دولة إسرائيل، ينبغي الانتباه إلى الكمّ الهائل من التجاذبات بين المدى القصير والمدى الطويل، وبين الدفاع والهجوم، وبين القوة العسكرية والقوة الرخوة والشرعية.
وفي السياق نفسه، أوضح أنه ينبغي علينا إعادة بناء الثقة التي لم تعد قائمة بيننا وبين الولايات المتحدة، مشدداً على حقيقة أنها الحليف الوحيد لنا، ومن لا يفهم ذلك، لا يفهم الأهمية غير الاعتيادية للولايات المتحدة.
وتناول يادلين تهديد إيران بالتأكيد أنه «التهديد الفعلي»، فيما «داعش تنظيم إرهابي سبق أن تعايشت إسرائيل مع منظمات إرهابية، ليس لديها دبابات، طائرات، ودفاع جوي، والنقطة الأهم لنا كإسرائيليين هي أننا في مواجهة داعش لسنا وحدنا. أما في مقابل إيران فنحن وحدنا».
ولمناسبة إعادة فتح قضية الاتفاق النووي مع تولي دونالد ترامب منصب الرئاسة، رأى يادلين أنه لا ينبغي الإسراع في إلغاء الاتفاق، لأن البديل منه إشكالي، وهو بذلك يلتقي مع تحذيرات الأجهزة الأمنية في إسرائيل من مفاعيل إلغاء الاتفاق النووي.
في المقابل، شدّد يادلين على ضرورة استعداد إسرائيل لمواجهة السلوك الإيراني في المجال غير النووي والاستعداد للسنوات السبع القادمة، وهذا ما يمكن أن نفعله أكثر مع إدارة أميركية غير ملزمة بالاتفاق. ولفت إلى عدم وجود شرعية لخطوات ضد إيران إذا ما تمّ إلغاء الاتفاق فقط من قبل الولايات المتحدة من دون موافقة باقي القوى العظمى.
من جهته، واصل رئيس الدولة رؤوبين ريفلين حملته التي يركز فيها على خطورة الانقسامات الداخلية على واقع إسرائيل ومستقبلها. فبعد كلمات سابقة تناول فيها القضية نفسها، عاد وأطلق تحذيراته في هذا المجال، معتبراً أن «ضعف التضامن الإسرائيلي واتساع الانقسامات، هما تهديد استراتيجي مركزي». ولفت إلى أنّ هذا المفهوم «ليس مقولة اجتماعية مجردة، بل هو تحذير خطير وملحّ»، موضحاً ذلك بالقول إن التضامن الاجتماعي هو أحد عوامل مناعتها القومية، ومشدداً على أنّ «التوترات الداخلية في إسرائيل تشكل تهديداً وجودياً لأصل وجود أمننا أكثر من التهديدات العسكرية التي ضعفت في الفترة الاخيرة»، في إشارة إلى تفكّك الدول العربية والصراعات التي تشهدها.
وأوضح ريفلين أنّ الانقسامات الداخلية كثيرة ومختلفة، وفي هذا الإطار، تندرج علاقات الجيش والمجتمع، وعلاقة الدين بالدولة، وعلاقات المجتمع مع المؤسسات الحكومية. وما حصل مع البدو في الايام الأخيرة، أحد تجليات هذه الانقسامات.