صنعاء | لم تفلح حكومة الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي، في تقديم نفسها كدولة في المناطق الجنوبية والشرقية الواقعة خارج سيطرة حركة «أنصار الله» وحلفائها، فهذه الحكومة، التي أعلنت مدينة عدن عاصمة مؤقتة لها أواخر عام 2015، لا تزال تفقد السيطرة حتى على المدينة التي تخضع أجزاء منها لسطوة الجماعات المسلحة وفق مبدأ تقاسم النفوذ.
وبينما تدعي حكومة هادي سيطرتها على 80% من البلاد، وهي تمارس مهماتها من قصر المعاشيق في عدن بطلب وبحماية من تحالف العدوان، يتقاسم المدينة عناصر مسلحون من «الحراك الجنوبي» من جهة، ومجموعات السلفية السياسية التي يمثلها القيادي ووزير الدولة في حكومة هادي، هاني بن بريك، من جهة أخرى.
يقود بن بريك ألوية الحزام الأمني المدعومة إماراتياً، والأخيرة يمتد نفوذها في مداخل عدن ومخارجها وبعض مديريّاتها، كما توجد في نطاقها المنطقة العسكرية الثالثة الموالية لهادي وعدة ألوية مدعومة من التحالف، تتولى بدورها تجنيد الشباب الجنوبيين والزج بهم في المعارك. وفيما تحاول حكومة هادي فرض وجودها عبر اللواء حسين محمد عرب (وزير الداخلية هناك)، الذي تسلّم مؤخراً الملف الأمني في عدن، ترفض الجماعات المسلحة توجيهاته.

شملت الخلافات حتى المناطق الصغيرة
التي يسيطر عليها هادي في تعز


ومع أن الخلافات بين تلك المجموعات لم تتطور إلى مواجهات شاملة، فإن حالة التوتر واندلاع مواجهات بين حين وآخر في شوارع المدينة، تُنذر بعودة «أحداث يناير» التي شهدتها عدن عام 1986 وأودت بحياة ما يزيد عن عشرة آلاف يمني في أقل من 48 ساعة. وما أشبه اليوم بالأمس، لجهة تصاعد الانفلات ونمو ظاهرة الاغتيالات والاختطاف والاعتقال التعسفي، وهي أمور تسببت في توقف حركة الاستثمارات المحلية وتراجع الملاحة في ميناء عدن، وكذلك توقف الطيران في مطار عدن الدولي في بعض الأحيان، بالإضافة إلى تزايد الهجمات الإرهابية التي تنفذها خلايا «داعش» و«القاعدة» ضد المعسكرات الموالية لهادي.
أخيراً، انتقلت حالة الاحتقان والانقسام المتصاعدة في أوساط الفصائل والتيارات الموالية لهادي وللتحالف إلى محافظة حضرموت، لجهة السيطرة على النفط والقطاعات التي تخلت عنها عدد من الشركات الأجنبية بعد مغادرتها اليمن بصورة نهائية جراء اتساع نطاق المعارك. ومحافظ حضرموت اللواء أحمد سعيد بن بريك، الموالي للإمارات، يخوض الآن صراعاً مع حكومة هادي التي تسعي إلى إعادة إنتاج 200 ألف برميل نفط يومياً من حقول المسيلة دون الالتزام بنصيب حضرموت من المبيعات.
ورغم اتفاق اللواء بن بريك ورئيس حكومة هادي، أحمد عبيد بن دغر، على سداد حكومة عدن 35 مليون دولار من كل شحنة نفط تباع من منشآت حضرموت، فإن هادي رفض الاتفاق وسعى إلى السيطرة على القطاعات النفطية في حضرموت عسكرياً، وذلك بإقالة اللواء عبد الرحمن الحليلي، الذي كان قائد المنطقة العسكرية الأولى، وتعيين اللواء محمد طيمس خلفاً له. مقابل تلك المساعي، أعلن «حلف قبائل حضرموت» تأييده مطالب السلطة المحلية، فشكل بدوره لجنة إشراف تتولّى إنتاج وتصدير النفط من المسيلة والقطاعات المُخلاة، إلى شركة «بترومسيلة» الوطنية. ورغم تراجع حدة تلك الخلافات، فإنها لا تزال مرشحة للانفجار في الأيام المقبلة.
أما محافظة شبوة، التي يخوض فيها الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» معارك كبيرة في مواجهة قوات هادي في عسيلان ومناطق أخرى، تصاعدت داخلها الخلافات بين قائد محور عتق وقائد اللواء 30 مشاة، اللواء ناصر النوبة، والقائم بأعمال المحافظ علي بن راشد، ما أدى إلى إطاحة النوبة الذي يُنظر إليه على أنه مؤسس «الحراك الجنوبي».
هذه الصراعات لم تنجُ منها أيضاً محافظة مأرب، فالمال والسلاح والنفوذ أبرز عوامل الخلاف بين الفصائل الموالية لهادي، وهناك (مأرب) لا تزال جبهة الأخير تعاني التصدع وغياب النسجام في أوساط القيادات العسكرية والقبلية، وأيضاً القيادات الموالية لحزب «الإصلاح» (جماعة «الإخوان المسلمون»)، التي تحاول فرض نفوذها على بقية القيادات متكئة على الجنرال علي محسن الأحمر، المحسوب على «الإخوان».
تلك الخلافات تصاعدت عقب مقتل اللواء عبد الرب الشدادي في معركة صرواح، خلال عملية نوعية للجيش ولـ«اللجان الشعبية» في تشرين الأول الماضي، وجراء ذلك اختفت عدة قيادات عسكرية وبرزت أخرى، إذ صعد صغير بن عزيز، في الوقت الذي غاب فيه هاشم الأحمر عن المشهد خلال الأشهر التي تلت مقتل الشدادي.
يضاف إلى كل ذلك تأثير أزمة الثقة في مسار المواجهات ومحاولة «الإصلاح» تصدر المشهد العسكري في نهم وصرواح، اللتين اعتبرتا تمهيداً لـ«معركة صنعاء»، ما تسبب في تعرض العشرات من القوات الموالية لهادي إلى القصف على يد الطيران السعودي في جبهات مأرب والجوف. وفي الأخيرة أيضاً، امتدّ صراع النفوذ الذي يقوده «الإصلاح» وأفضى إلى إطاحة المحافظ السابق للجوف، حسين العجي العواضي، الموالي لهادي، بعدما تخلى الحزب الإخواني عن الحسن أبكر، الذي اتهمته وزارة الخزينة الأميركية بالإرهاب، ثم جاء تعيين الشيخ الموالي لـ«الإصلاح» أمين العكيمي في منصب المحافظ.
بالنسبة إلى تعز، التي كانت حتى عامين عاصمة للثقافة اليمنية، تعيش المناطق تحت سيطرة هادي و«التحالف» حالة من الفوضى بسبب الصراع المتصاعد بين الجماعات المسلحة المتعددة الانتماءات، بل تحولت إلى ساحة حرب مفتوحة أواخر الأسبوع الماضي. «رفاق السلاح»، الذين تقاسموا المناطق المحدودة الواقعة تحت سيطرتهم إلى مربعات أمنية تمارس كل جماعة فيها سلطاتها كأمر واقع، يعيشون منذ قرابة العام حالة توتر على خلفية الأموال والأسلحة التي تصل من الرياض عن طريق «الإصلاح».
وقد تصاعد الخلاف بين جماعات «الإصلاح،» وبين «كتائب حماة العقيدة» التي يقودها السلفي الجهادي المقلب «أبو العباس»، على خلفية الدعم المالي الوارد من التحالف، كما شهدت نهاية الأسبوع الماضي اشتباكات مسلحة بين جماعة غزوان المخلافي، وهو نجل القائد العسكري في تعز العميد صادق سرحان (قائد اللواء 35)، و«حماة العقيدة»، وذلك على خلفية تنازع الطرفين على جباية سوق «ديلوكس» الواقع وسط المدينة، علماً بأنها ليست الاشتباكات الأولى بين الموالين للتحالف في تعز، بل سبتقها مواجهات خلال الأشهر الماضية سقط فيها قتلى وجرحى.
في سياق متصل، أصدر أمس، خمسة من قيادات قطاع «الحزام الأمني» قراراً بإقالة قائد «الحزام» في أبين، العميد عبد الله الفضلي، الذي عيّنه التحالف مديراً لأمن محافظة أبين، عازين القرار إلى ما وصفوه «الفشل الذي تسبب فيه الفضلي وعجزه عن إدارة أمن المحافظة». كما طالبوا هادي والتحالف، التعاون مع اللجنة التي شكلوها لإدارة أمن المحافظة، محذرين من «انهيار وشيك لقوات الحزام الأمني» في أبين إذا لم يتم تدارك الأمور سريعاً، وهو ما رأى فيه مراقبون انقلاباً جديداً ضمن سلسلة الصراعات الداخلية.
إلى ذلك، لقي ثلاثة من قيادات «الحراك الجنوبي» العسكريين مصرعهم، أمس، على جبهة باب المندب، خلال كمين نصب لهم على الطريق المؤدية إلى بلدة المخا، وهم: قائد كتيبة «لواء 20 حز» العقيد سيف الجحافي، وخبير نزع الألغام العميد محمد اليهري، وفهمي الغزالي.