أربيل | بدأ إقليم كردستان العراق خطواته نحو إعلان استقلاله وسط خلافات حول توقيت إعلان الدولة القادمة وحدودها بين الأحزاب الرئيسية في الإقليم، فيما لم يتضح موقف الدول المحيطة بالإقليم تجاه خطوات الانفصال. الخطوات العملية للدولة الكردية القادمة بدأت مع انتهاء زيارة رئيس الإقليم مسعود البرزاني للولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الشهر الماضي، حيث تشاور معهم بالوضع الراهن في العراق ومستقبل الدولة الكردية. البرزاني أكد خلال لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما، أنه سيعلن الدولة الكردية، ناقلاً عن أوباما قوله: «أتفهم طموح الشعب الكردي».

وأطلق البرزاني، في مقابلة مع شبكة «سي أن أن»، تصريحات أكد فيها أن «الأكراد بدأوا بخطوات حقيقية نحو الاستقلال وسنستمر في هذا الاتجاه»، معتبراً أن هذه الخطوة «حق طبيعي للشعب الكردي».
وقال البرزاني: «لا نعرف متى يحصل الاستقلال في هذه السنة أو في السنة القادمة، من الصعب تحديد الوقت، لكن نأمل أن يحصل في أسرع وقت». وفي تصريحات له أيضاً، شدد البرزاني على أن «من المؤكد أن كردستان المستقلة قادمة... إنها عملية متواصلة. لن تتوقف ولن تتراجع».
خلافات حول توقيت إعلان الدولة القادمة وحدودها... وموقف بغداد له تأثير

بعد عودته بأيام، اجتمع البرزاني بممثلي الأحزاب الكردية كافة للتشاور في مستقبل الإقليم، في ظل التطورات الحالية التي يمر بها العراق والمنطقة، وناقش معهم إمكانية إعلان استقلال الإقليم عن المركز.
مصدر حضر الاجتماع كشف لـ«الأخبار» أن الأحزاب الكردية اتفقت مع رئيس الإقليم على دراسة الخيارات المطروحة لاستقلال الإقليم والنتائج المترتبة عليه والفرضيات التي تقف عائقاً في طريق تلك الخطوات.
وذكر المصدر أن المجتمعين اتفقوا على تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الأحزاب الكردية تقدم مشروع واضح حيال ملفين: الأول حول استراتيجية التعامل مع الحكومة المركزية في المستقبل، والثاني رأي الأحزاب في استقلال الإقليم. كذلك اتُّفق على إجراء استفتاء عام على الاستقلال لأخذ موافقة سكان الإقليم عليه.
اجتماعات الأحزاب لإقرار قرار يحدد مصير اسقلال الإقليم تجري بالتزامن مع اجتماعات لجنة صياغة أول دستور للإقليم بمعزل عن دستور العراق، ليكون سنداً قانونياً للدولة الكردية المزمع تشكيلها.
المطالب باستقلال الإقليم بدأت تتزايد تدريجاً منذ العام الماضي، في ضوء التطورات الأمنية والسياسية الجارية في العراق، واحتلال «داعش» لمساحات شاسعة من البلاد واقتراب الخطر من حدود غرب وجنوب إقليم كردستان بالإضافة إلى بروز المشاكل النفطية في اتفاق العام الماضي بين حكومة أربيل وبغداد حول بيع نفط الإقليم الذي يعد الركيزة الأساسية لقوة اقتصاد كردستان.
ومن المؤكد أن احتدام الصراع الداخلي في العراق عموماً وصعوبة حل المشاكل، وتحديداً بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، شكلا مبرراً رئيسياً للإقليم في الذهاب بعيداً وطلب إعلان الاستقلال.
الخبير في الشؤون السياسية، ريبوار كريم، أوضح في حديث لـ«الأخبار» أن «السيناريو المطروح حالياً لإعلان الدولة الكردية يبدأ بالاستقلال الاقتصادي أولاً وبعدها يتجه نحو الاستقلال السياسي والجغرافي».
عضو برلمان الإقليم عن الحزب «الديموقراطي الكردستاني»، بيار دوسكي، يربط خطوات سعي الإقليم نحو الاستقلال بعدم التزام الحكومة المركزية دستور العراق.
وقال دوسكي، في حديث لـ«الأخبار»، إن «الإقليم ملتزمٌ النظام الفيدرالي الذي ينص عليه الدستور العراقي، لكن بغداد لا تزال تعمل بعقلية المركزية، وإذا استمر العمل بهذا النهج وعدم إعطاء الإقليم مستحقاته المالية، فسنضطر إلى الاستقلال الاقتصادي، وإذا حاول المركز عرقلة تلك الاستقلالية فسنتجه إلى الاستقلال السياسي أيضاً».
وعلى الرغم من إجماع واتفاق الأحزاب السياسية في الإقليم على المضي قدماً باتجاه الاستقلال، إلا أن الخلاف في ما بينها يدور حول توقيت إعلان الاستقلال وحدود الدولة الموعودة. الحزب «الديموقراطي الكردستاني» برئاسة مسعود البرزاني من أكثر المروجين للاستقلال في أسرع وقت، حتى ولو كان بحدود الإقليم الحالية من غير حسم وضع محافظة كركوك الغنية بالنفط والمناطق الأخرى المنتازع عليها بين بغداد وأربيل. لكن حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» برئاسة جلال الطالباني، لديه تحفظات على توقيت إعلان الدولة ويحاول تأخيرها.
ولا يخفي النائب عن «الاتحاد الوطني»، دلير مصطفى، تعاطف حزبه لإنشاء دولة كردية مستقلة، لكنه يبدي تخوفه في نتائج تلك الخطوة في الوقت الحالي وتأثيرها السلبي على إقليم كردستان في خلق المزيد من المتاعب لشعبه.
وأوضح مصطفى في حديث لـ«الأخبار» أنه «يجب أن نكون مؤهلين داخلياً وخارجياً لإعلان الدولة، وهذه الظروف ليست متاحة حالياً، لذا أفضل لنا أن نبقى مع العراق حتى يتسنى لنا الوضع سياسياً لإعلان الدولة».
تحفظات «الاتحاد الوطني» على توقيت إعلان الدولة تأتي مغايرةً لرأي بعض الأحزاب الكردية التي ترى أن الوقت مناسب أكثر من ذي قبل لإعلانها بسبب الوضع المضطرب في العراق والمنطقة.
التوقيت ليس النقطة الخلافية الوحيدة بين الأحزاب الكردية، بل حدود تلك الدولة المزمع تشكيلها أيضاً عليها بعض الإشكاليات بين أحزابها.
«حركة التغيير» بزعامة نوشيروان مصطفى تربط إعلان الدولة الكردية بضم مناطق متنازع عليها مع الحكومة المركزية، وخاصة محافظة كركوك. وقدمت الحركة في آخر اجتماع مع البرزاني مشروع لضم تلك مناطق إلى حدود إقليم كردستان من طريق استفتاء شعبي لأهالي تلك المنطقة التي تمثل خليطاً متجانساً من الأكراد والعرب والتركمان.
وشدد النائب في برلمان الإقليم عن «حركة التغيير»، بيستون فائق، في حديث لـ«الأخبار» على أن «إعلان الدولة الكردية من دون كركوك والمناطق المتنازع عليها ليس له أي معنى».
لكن لا يبدو أن الحزب «الديموقراطي الكردستاني» مصر على ضم تلك المناطق إلى الإقليم مثلما تدعو إليه الأحزاب الأخرى، ويرجح أن السبب في ذلك هو إمكانية تغير موازين القوى في الإقليم في حال ضم تلك المناطق وخاصة كركوك التي يتمتع فيها حزب الطالباني بأغلبية جماهيرية مطلقة.
إضافة إلى ذلك، فإن موقف بغداد من إعلان الإقليم لاستقلاله له تأثير على قرار أربيل.
المختص في مجال الدستور، برانت أوليري، أوضح في تصريحات صحافية، أن «الحل الأمثل هو سعي الإقليم إلى التوصل لاتفاق وتفاهم مع الحكومة الاتحادية، يضمن إقرار بغداد بالكونفدرالية وحق تقرير المصير للإقليم»، مضيفاً: «لو لم تكن بغداد شريكة في القرار، وامتنعت عن الموافقة على قرار استقلال كردستان، سيكون من الصعب على الإقليم إعلانه بشكل مفرد».
ومع وجود إشكاليات داخلية على إعلان الدولة الكردية، يبدو أن الوضع الإقليمي والخارجي ليس أقل تأثيراً على تلك الخطوة لكردستان في ظل ضبابية موقف الدول المحيطة بالإقليم بشأن إعلان أول دولة كردية في منطقة الشرق الأوسط.
ويقرّ رئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان الإقليم، زانا عبد الرحمن، بعدم وضوح مواقف الدول من إعلان الدولة الكردية، كاشفاً عن وعود بعض الدول بتأييد كردستان في حال إعلان دولتها، من دون الكشف عن هذه الدول الداعمة.
ولفت عبد الرحمن في حديث لـ«الأخبار» إلى أن «موقف دول العالم والمنطقة لا يتضح إلا إذا أُعلنت الدولة الكردية، وفي هذا الوقت يتضح من هو صديق للشعب الكردي ويدعم دولتنا».
الدولة الوحيدة التي أيّدت استقلال كردستان حتى الآن هي هنغاريا التي كشفت عن موقفها خلال زيارة رئيس الإقليم الشهر الماضي، وقد سبّب ذلك الموقف ضجة سياسية بين الحكومة العراقية ونظيرتها الهنغارية.